الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

اللغة العربية.. تحدِّيات من الداخل

اللغة العربية.. تحدِّيات من الداخل
د. محمد قطب الدين أستاذ بجامعة جواهرلال نهرو - الهند

تمتاز اللغةُ العربية بين أخواتها العالمية بأنها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إضافة إلى أنها لغة ينطق بها سكان 22 دولة ما عدا المتحدثين بها غير العرب عبر العالم، وأصبحت العربية من اللغات العالمية المعدودة أكثر تحدثا في العالم، كما تم اعتمادها ضمن اللغات الست من قبل هيئة الأمم المتحدة وهي العربية والإنجليزية والروسية والصينية والفرنسية والإسبانية في عام 1973.

ونظراً لأهمية اللغة العربية الكبيرة تاريخياً وثقافياً وحضارياً وتداولها عالمياً وسعة انتشارها جغرافياً، أعلنت الأمم المتحدة في عام 2010 عن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبر كل سنة.


وتحمل اللغة العربية في طياتها درراً كامنة من الروعة والجمال والفصاحة والبلاغة الأدبية، التي لا تضاهيها الآداب العالمية الأخرى لفظاً ومعنى.


واللغة العربية الفصحى هي همزة وصل وجسر للتواصل بين العرب وغير العرب من المسلمين في كافة أنحاء العالم، وهي تجمع شملهم وتوحّدهم كأمة واحدة بل كجسد واحد، فالمسلمون عبر العالم يدرسون ويدرّسون اللغة العربية الفصحى في المدارس والمعاهد والجامعات الأهلية منها والحكومية، ويتحدثون بها وينشرونها ويعززونها قراءة وكتابة ونطقاً.

هذا، وهناك تحديات تواجهها لغتنا العربية الحبيبة اليوم كادت تهدد كيانها، منها: طغيان اللهجات الدارجة، وتأثير اللغات الأجنبية ولا سيما الإنجليزية والفرنسية أسلوباً وتعبيراً، علماً بأن لكل بلد من البلدان العربية لهجة خاصة تستخدم على نطاق واسع في جميع مناشط الحياة، ابتداء من البيت إلى مكان العمل والسوق والصفوف الدراسية وشاشة السينما والتلفزيون والحوار الإعلامي والنقاش الصحفي والدردشة على فيسبوك وإنستغرام وواتساب، وأينما يمّمتَ شطرك وجدت اللهجات العربية العامية تسيطر وتهيمن كأنها سيدة الموقف.

ويكاد دارس العربية الأجنبي يظن أنه لا فائدة من دراسة اللغة العربية الفصيحة لغرض التواصل مع العرب أو فهم ثقافتهم المعاصرة في المسرح والسينما والأغاني، لأن الفصحى تلاشت وصارت عنقاء في جميع الفعاليات الثقافية.

وبهذا الصدد يقول نجيب محفوظ: «منذ أن بدأتُ الكتابة وأنا حريص على استعمال الفصحى والبعد قدر الإمكان عن العامية، لأن هناك في بلادنا عدة لهجات للعامية، فالصعيد يتحدث بلهجة عامية، ووجه بحري لهم لهجتهم، وداخل البلد الواحد قد لا يفهم سكانه بعضهم بعضاً بسبب اختلاف اللهجات المحلية».

ويقول د. محمد عبدالفتاح مصطفى العمراوي أستاذ بجامعة القاهرة «نعترف بأن اللغة العربية تعاني أخطاراً كثيرة، وتواجه تحديات صعبة في المستقبل؛ لأن أهلها يواجهون أخطارا وتحديات كثيرة، واللغةُ أيُّ لغة ترقى برقي أهلها، وتنحدر وتتخلف بانحدارهم وتخلفِهم، إن تعدد اللهجات وتأثيره على الفصحى وغلبة اللغات الأجنبية ومحاصرتها الفصحى في عقر دارها وضعف العرب وعدم إسهامهم في إنتاج المعرفة وسوء التخطيط اللغوي وغير ذلك من التحديات». وبالعودة مرة أخرى إلى الروائي نجيب محفوظ، نجده يقول: «اللغة العامية من جملة الأمراض، التي يعاني منها الشعب، والتي سيتخلص منها حتماً عندما يرتقي، وأنا أعتبر العامية من عيوب مجتمعنا مثل الجهل والفقر والمرض تماماً، والعامية مرض أساسه عدم الدراسة، والذي وسع الهوّة بين العامية والفصحى عندنا هو عدم انتشار التعليم في البلاد العربية، ويوم ينتشر التعليم سيزول هذا الفارق، أو سيقل كثيراً».

لذا، الحاجة ماسَّة اليوم إلى أن تهتم الجهات المعنية في البلاد العربية بإيجاد الوعي الثقافي واللغوي بين الشعوب العربية، وتُكرّس جهودها لتعزيز اللغة العربية الفصحى من خلال ضمان استخدامها في جميع مناحي الحياة لكيلا يُحرم أبناء غير الناطقين بها من جمال العربية الفصحى ومحاسنها وروعتها، ويبقى المسلمون كلهم في العالم مرتبطين بالجامعة الشاملة والمتينة، وهي جامعة اللغة العربية الفصيحة.