الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

حروب السيبر.. الردع المادي والقانون الدولي الإنساني

حروب السيبر.. الردع المادي والقانون الدولي الإنساني
مصطفى عبدالرحمن أبوعبده باحث فى العلوم السياسية ـ مصر

إن انعقاد مؤتمر دور البرلمانيين في نزع السلاح في الفضاء السيبراني الذي نظمه الاتحاد البرلماني الدولي ومركز جينيف للسياسة الأمنية وشبكة برلمانيين، من أجل عدم انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح ومشاركة البرلمان العربي (في 28 يناير الفائت) مثّل خطوة مهمة نحو إدراك أهمية تنظيم الفضاء السيبراني، الذي أصبح بقدر الإيجابيات التي منحها للبشرية في كافة المجالات.

كما أنه وضع تحديات كثيرة تأتي في مقدمتها التحديات الأمنية، التي أفرزتها الاستخدامات الخطيرة من قبيل الجريمة المنظمة الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني والهجمات ضد المنشآت الحيوية، التي بلا شك تنعكس على أمن واستقرار المجتمع الدولي.


من ناحية أخرى، فإن الاستخدامات المتزايدة للقدرات السيبرانية في الصراعات الدولية، كبديل للحروب التقليدية الأكثر كلفة على المستوى المادي والبشري، قد فتحت المجال أمام النقاش الدولي حول موضوعات كثيرة تتعلق باستخدامات الفضاء السيبراني للحد من الحروب المستعرة، والهجمات المتبادلة، والجرائم الإلكترونية التي ترتكب من خلاله، خاصة أن العالم قد شهد 1.16 مليار اختراق لعناوين البريد الإلكتروني وكلمات المرور، وأيضاً اختراق بيانات أكثر من نصف مليار مستخدم من مستخدمي تطبيق فيسبوك خلال عام 2019 فقط.


كما أن هناك حروباً وهجمات إلكترونية تم استخدامها في الصراع الدولي، والتي تجلَّت في الهجمات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، أو بين إسرائيل وإيران، أو بين روسيا والولايات المتحدة، وأيضاً بين الصين والولايات المتحدة، وغيرها.

وقد جرت محاولات من المجتمع العالمي والقوى الدولية لوضع إطار عام قانوني منظم للفضاء السيبراني من خلال اتفاقيات ومعاهدات، كان في مقدمتها اتفاقية بودابست عن المجلس الأوروبي، التي أسهمت في تحديد أربعة أنواع لجرائم المعلومات، وأيضاً هناك خطة عمل مؤتمر الدول الثماني وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

ورغم ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاقية دولية عامة وملزمة تنظم استخدامات الحروب السيبرانية، مثلما جرت الحال في تنظيم استخدامات الحروب التقليدية، سواء كانت برية أو بحرية، واتفاقيات نزع وعدم انتشار السلاح النووي، وتقييد استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وتنظيم حالة الحرب وفق اتفاقيات جينيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولات الملحقة بها لعام 1977، التي أسست لحماية فئات وممتلكات حددتها أثناء النزاعات المسلحة الدولية أو غير ذات الطابع الدولي، ورتبت مسؤوليات على مرتكبي الجرائم الدولية، وأنشأت المحكمة الجنائية الدولية لتكون جهازاً قضائياً مختصاً بملاحقتها.

لكن الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لتنظيم الحروب السيبرانية نظراً لعدة اعتبارات، منها: أن المجال الجغرافي والزمني لتلك الحروب لم يعد ذا صلة وتعددت الأدوات والوسائل، كما أن وسائل الردع اتسعت لتشمل الردع المادي بدلاً من الهجوم السيبراني المتبادل، حيث قامت بعض الدول بشن غارات جوية لقصف أماكن تمركز الجماعات التي تشن هجمات إلكترونية على منشآتها.

ومن ناحية أخرى، فإن ترتيب المسؤولية عن تلك العمليات بات من الصعوبة من حيث الإثبات، فرغم أن المادة 36 من البروتوكول الأول لعام 1977 ألزمت الدول الأطراف بأن تكون الأسلحة الجديدة متوافقة مع أحكام القانون الدولي الإنساني ومستندة إلى حقوق الإنسان في تنظيم حالة الحرب، لكن هناك صعوبة في الفضاء السيبراني في معرفة المصدر المتسبب في الضرر أو تحديد المظهر الخارجي، الذي يدل على صفة تلك البرمجيات الخبيثة وجنسيتها، وأيضاً قد يكون العمل فرديّاً لا يمثل الدولة، وهنا يصعب إثبات مسؤولية الدولة عن هجمات الحرب السيبرانية، ويتبدّى لنا أن الأمر يحتاج إلى تنظيم تشريعي دولي ملزم ورادع لمثل هذه الممارسات عبر القومية.