الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هذا ثمن الترقية

هذا ثمن الترقية
منى صالح النوفلي كاتبة وقاصّة - الإمارات

غالية هي قطعة «الكريستال» التي لا تزال في أحضان موزة، منذ أن جلست على كرسي مكتبها في العمل هذا الصباح.

قدومها مبكراً كالعادة حال هذه المرة دون مراجعتها جدول أعمال اليوم، وأعادها إلى ذكريات ليلة أمس، التي قضتها منتشية بعد سماع كلمات سكرتير المدير العام، يقول:


- قرار ترقيتك لرئيس قسم المعلومات التقنية سوف يكون على مكتب المدير العام الأسبوع المقبل.


طرقت كلماته مسمعها بقوة، كقوة وقوفها على المسرح في احتفال أمس لاستلام تكريمها من المدير أمام جموع الموظفين، كونها قدَّمت للشركة ابتكاراً ساعد على زيادة أرباح الشركة.

سقط نظر مريم على درع التكريم الذي تلمه موزة بحرارة، فقالت بعفوية:

- تستحقين التكريم، لطالما عملت ليلاً ونهاراً بجهد ومثابرة.

ابتسمت موزة، ثمّ قالت:

- لكل مجتهد نصيب.

قطع حديثهما اتصال على هاتف موزة، وسرعان ما تبدَّلت الابتسامة المرسومة على وجهها منذ الصباح إلى تكشيرة مفاجئة، حملتها إلى قلب شاشة الهاتف على المكتب، لتمنع نظرها من رؤية رقم المتصل، وبادرت بإجابة رمقة التعجب من مريم لها، قائلة:

ــ خالد مرة أخرى.. لا أريد الرَّد عليه.

علّقت مريم:

ــ لقد بالغت في خصامك له.. لا تنسي أنه في سن حرجة ويحتاج تفهمك لـ..

قاطعتها موزة بحنق:

- أخطاؤه أصبحت كثيرة ولا أتحملها. سارة أصغر منه بسنتين، ولكنها أكثر نضوجاً، أفكر في إرساله إلى والده ليتحمل تربيته لكني أخشى عليه من زوجة أبيه.

أثناء الحديث عاود خالد الاتصال.. احمرَّ وجه موزة غضباً من تكرار اتصاله، فقررت إنهاء الموقف بالرد، وما أن سمعت صوت المتصل حتى نهضت فجأة قائلة، بصوت مرتعش:

ــ أنا قادمة.. لا تفعل شيئاً أرجوك.

انتشلت حقيبتها من فوق المكتب، ثم خرجت مُسْرعة إلى منزلها، مسلوبة الفكر، وكل ما تراه أمامها ابنها خالد، كل ما تفكر فيه هو ما سوف يقدم عليه أو أَقدم عليه، وتساءلت:

- هل نفذ تهديده بالفعل أم ستبقى بخير حتى تصل وتنقذه من جنون مرحلته العمرية؟

تقود سيارتها، ودموعها تنهمر على وجنتيها المحمرتين ألماً من بؤس وحدتها ومشكلات أبنائها التي لا تنتهي، فانفصال زوجها عنها منذ خمس سنوات أجبرها على الالتفات لبعض شؤون العائلة المجهدة فكريّاً وعمليّاً بالنسبة إليها.

ها قد وصلت موزة أخيراً إلى المنزل لتشهد مصير ابنها خالد.

في عصر اليوم التالي استقبلت موزة صديقتها مريم في المنزل، كان الأسى يخيّم على أركان البيت، حيث لم ترَ ضحكات خالد على طعام أعدته أمه، ولم تسمع توبيخات موزة المضحكة، أين السَّعادة التي ملأت روح موزة بالأمس؟ كما أن هناك شعوراً داكناً بلون الليل.

قالت مريم:

- الحمد الله أن الأمر وصل إلى هذا الحد.. سعيد ابني معه في المستشفى، وطمأنني عليه.

أثناء جلوس الصديقتين في غرفة المعيشة، دخلت سارة مهرولة، ثم قالت:

- اتصلت بي صديقتي، وأبلغتني بأن خالد حاول الانتحار مرة أخرى في المستشفى.

صرخت باكية، ثم قالت:

- ألم يكف بعد؟

هدَّأت موزة من روعها بعد محادثتها للطبيب والاطمئنان بأنه بخير، وأثناء ذهابها إلى المطبخ، حادثت مريم الابنة قائلة:

- أعلم بمن اتصل بك من المستشفى.

تغيرت ملامح سارة، وحاولت الهرب إلى غرفتها، فأمسكت مريم بيدها، ثم نظرت إلى عينيها الخائفتين، وقالت لها:

- أعلم عن جميع مغامراتك مع الرجال، والكل يعلم ما عدا أمك، لأنها ترى فيك الابنة البريئة ذات الخمسة عشر ربيعاً، ولكن سعيد خط أحمر يا سارة.

أنهى كلمات مريم صوت ارتطام جسد موزة بسيراميك الأرض أمام غرفة المعيشة بعد سماع حديثهما.