الثلاثاء - 20 مايو 2025
الثلاثاء - 20 مايو 2025

صناعة الجوع وخرافة الندرة.. في رؤية «جوزيف كولينز»

صناعة الجوع وخرافة الندرة.. في رؤية «جوزيف كولينز»
ياسر محمد عطية الرئيس السابق بنيابة الاستئناف - أبوظبي

بداية، تعني الندرة أن المجتمع البشري لا يملك الموارد الإنتاجية الكافية لتلبية كل حاجات ورغبات أفراده، والكتاب الذي بين أيدينا يحمل عنوان: «صناعة الجوع.. خرافة الندرة»، لـ«فرانسيس مور لاپيه جوزيف كولينز»، ترجمة «أحمد حسان»، (صادر عن سلسلة عالم المعرفة ـ الكويت - 1998)، يتعلق بأكثر الموضوعات مساساً بحياة الإنسان، وهو موضوع الغذاء والحصول على الخبز، لجهة عدم كفاية موارد الأرض لاحتياجات مَن عليها من السكان أم أنها ذات صلة بسوء إدارة السكان لتلك الموارد؟

وتقوم الفكرة السابقة على جملة من الأسئلة منها: هل بالفعل توجد أزمة طعام؟ وهل سنعيش على أخلاقيات قارب النجاة من حيث أن الأرض لا تتسع للمزيد من البشر وإلا غرق القارب بمن فيه؟ أم أن ندرة الأرض والغذاء ليست هي السبب الحقيقي للجوع؟


يثبت الكاتب بالدليل العملي وبالإحصاءات، كفاية الغذاء لسكان الأرض من خلال الإجابة على سؤالين، أولهما: هل الغذاء على الأرض يكفي لحاجة سكانها؟ وثانيهما: هل قُمْنا بالاستغلال الكامل لموارد الأرض؟


وللإجابة على السؤال الأول يقرر الكاتب أنه يوجد ما يكفي من الغذاء لكل فرد، فالعالم ينتج كل يوم رطلاً من الحبوب لكل شخص، أي أكثر من ثلاثة آلاف سعرة حراريَّة وبروتين وفير، وهى أكثر مما يستهلكه شخص من أوروبا الغربية، ما يعني دحض المفهوم الشائع القائل بأننا قد بلغنا حدود طاقة الأرض.

وقد وجد الكاتب أن الموارد المتاحة تكفي سكان الأرض والمزيد، لكنها تعاني دائماً من سوء الاستخدام، وعدم العدالة في التوزيع، ما يخلق الجوع في العالم أما الإجابة عن السؤال الثاني، فيبين الكاتب عدم استغلال كامل الثروة الزراعية على الأرض من وجهين، الأول: في المساحة المستغلة بالفعل، حيث لا يزرع الآن سوى نحو40% من الأراضي الصالحة للزراعة، وفي كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية لا يزرع سوى أقل من 25% من الأراضي التي يمكن زراعتها وهي أكثر الدول فقراً، وثانيهما: عدم الاستخدام الأمثل للمساحات المزروعة بالفعل بالعالم الثالث، إذ يعادل الناتج عن ذات المساحة نصف الناتج في دول أوروبا بسبب سوء الإدارة، وليس لسبب يتعلق بطبيعة الأرض.

ويضرب المؤلف مثالاً لكفاية الموارد بدولة تعدّ من الدول الفقيرة، بل من الدول ذات المعدل العالي من السكان، وهي بنغلاديش، إذ هي بالنسبة للكثيرين النموذج النمطي لبلد طغى تعداده السكاني على موارده، إلا أن حقيقة الأمر تختلف، إذ إنه حتى في الوقت الحالي -الذي تعاني فيه البلاد من قلة الاستخدام الفظيعة لمواردها - فإنها تنتج واقعياً من الغلال وحدها ما يكفي لتزويد كل فرد بما لا يقل عن 2300 سعرة حرارية يومياً، إلا أن أكثر من نصف العائلات في بنغلاديش طبقاً لأرقام البنك الدولي لا تتحصل على 1500 سعرة حرارية للفرد، وهو الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة.

أغلب الفلاحين يزرعون الكثير من أرز البلاد، وفي وقت الحصاد تبلغ الأسعار أدنى حد لها، ما يضطر الكثيرين لبيع كمية كبيرة مما ينتجونه سداداً لديونهم واستعداداً للزراعة التالية، حيث لا يبقى لهم ما يكفي لسد احتياجاتهم حتى الحصاد الثاني، ويعانون من سوء التغذية، كما تمتلك بنغلاديش إمكانات متعددة، من تربة خصبة ومناخ ومياه وقوى عاملة بحيث لا تصبح مكتفية بذاتها غذائياً فقط، بل تكون كذلك مصدراً للغذاء حتى مع حجم سكانها، لكن تلك الإمكانات غير مستغلة.

ويستنتج المؤلف من تجارب العديد من الدول أن العنصر البشري لا يعد بحال من الأحوال عقبة أمام التقدم، بل أحد مصادره، وفي النهاية ينتهي الكتاب لكفاية الموارد المتاحة على الكرة الأرضية لإعالة سكانها والمزيد، شريطة إدارة هذه المواد بشكل عادل، وعدم التفاوت في التوزيع، فضلاً عن تعمد بعض المنتجين خلق الندرة للتلاعب بالأسعار.