الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الجزائر الآن.. و«اللعبة السياسو - ديمقراطية»

الجزائر الآن.. و«اللعبة السياسو - ديمقراطية»
محمد سعدي كاتب ومحام ـ الجزائر

لقد تمكَّنت الجزائر، وبفضل حكمة قيادة المؤسسة العسكرية، أن تتخطَّى مرحلة ما سُمِّي بمرحلة الربيع العربي، الذي خرب معظم الدول العربيّة باسم الديمقراطيّة، كما تمكَّنت القيادة العسكريَّة أن تحتوي حراك 22 فبراير2019، وساعدت في التخلص من رئيس الجمهورية العاجز صحياً بطريقة سلمية، بناء على أحكام الدستور الساري المفعول وقتها، والوصول بالبلاد إلى انتخابات رئاسية هادئة ومفتوحة انتهت بانتخاب رئيس جمهورية جديد يوم 12 /12/ 2019، وهو تاريخ انتهاء الشرعيتين التاريخية والثورية ودخول الجزائر مرحلة الشرعية الشعبية الدستورية.

وانطلقت الجمهورية الجديدة حسب شعار رئيس الجمهورية الجديد، ثم تمّ الاستفتاء على الدستور الجديد في أول تجربة للرئيس عبدالمجيد تبون، ولكنها كانت بداية متعثرة بكل المقاييس شكلاً ومضموناً لأسباب كثيرة، أهمها اعتماد الرئيس على تكنوقراطيين في الرئاسة والحكومة والأجهزة التنفيذية من القاعدة إلى القمة وحتى السلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات المستحدثة من نفس التركيبة التكنوقراطية، جميعهم من خريجي مدرسة معينة مع الاستغناء كلياً عن خريجي الجامعات الجزائرية الأخرى، وتهميش كل الكفاءات الوطنية.


من جهة أخرى أقام الرئيس هياكل كثيرة ومتنوعة شكلاً ومتداخلة في الاختصاصات، باسم تأطير المجتمع وتقريب المواطن من الإدارة، وتم إنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني والمسار الديمقراطي تحت رعاية الدولة لتلعب دور الأحزاب سياسياً، مع إعادة تفعيل هيئة وسيط الجمهورية التي ثبت فشلها أيام الرئيس اليامين زروال.


والهدف من كل ذلك امتصاص غضب الشارع من الإدارة المحلية البيروقراطية، التي تغولت على مركز القرار المركزي بالممارسات الديمقراطية المتشعبة، وتسببت في انقطاع التيار بين المواطن وإدارته المحلية، ومن ثم إدارته المركزية والسلطة التنفيذية ككل.

هذه الإجراءات والتحولات التي تدق لها طبول الإعلام مع غياب الشارع، أدَّت إلى عزوف المواطن نهائياً عن التعاطي سياسياً مع مستجدات السلطة وعلى رأسها العملية الانتخابية، والدّخول في دوامة الوضعية الاجتماعية والاقتصادية المتدهورتين بشكل رهيب، وصار هَم المواطن هو البحث عن الزيت والبطاطس والحليب وبعض الدريهمات من البنوك لمن استطاع إليها سبيلاً بسبب ندرة النقود في البنوك.

وتلك مشكلات تافهة ويومية أتعبت المواطن، وأحرجت السلطة المركزية، ولم تصل إلى حلِّ ألغازها، ومما تسبب في تأزم الأمور، إضافة لوباء كورونا، وما ترتب عنه من سلبيات.

والواضح من كل المعطيات السابقة أن هناك جهات داخلية، وربما أخرى خارجية، عملت ـ ولا تزال ـ على تأزم الأوضاع الداخلية في الجزائر باسم ديمقراطية الواجهة المغشوشة، خاصة بعد أن قررت المؤسسة العسكرية البقاء على الحياد فيما يجري حالياً من تطورات سريعة داخل المجتمع والتفرغ للمخاطر المحدقة بالجزائر على كل حدودها، وهذا تطبيقاً لأحكام الدستور الجديد، وهي ظاهرة لم يتعودها الشارع الجزائري مما تسبب في تيهه، خاصة بعد أن فقد الثقة في الأحزاب، بسبب الأزمة التي تسببت فيها الأحزاب قبل حراك 22 فيفري 2019 وتحميلها المسؤولية لكل ما وقع خلال الـ20 سنة الأخيرة.

والخلاصة، أن الجزائر الآن تدخل مرحلة جدية، مخاضها عسير جدّاً، ومولودها «السياسو - ديمقراطي» المنتظر، سيكون مشوهاً إذا استمر الرئيس تبون في مواصلة المراهنة على الآليات الحالية والطواقم الحالية في سياسته الداخلية، وقد لا أكون مغالياً إذا قلت: إن هناك تسرعاً في الذهاب إلى التشريعات بالطريقة والآليات والظروف الحالية، وأن الوضع الحالي يذكرنا بأيام الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد خلال بداية التعددية، ثم أيام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة خلال العهدتين الثالثة والرابعة، وكأن العلبة السوداء ـ وراء الستار - هي نفسها اليوم، لكن بإخراج مختلف فقط، تماشياً مع التحولات، إنما المصدر واحد، والهدف واحد، وهذا ما لا أتمنَّاه، ومن الواجب الإشارة إليه للتاريخ، وللتاريخ فقط، وأتمنى أن أكون مخطئاً.