الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

يوميّات المقهى

يوميّات المقهى
محمد بوهرجة كاتب صحفي ــ مصر

انطلق في اتَّجاه المقهى البعيد ليختلي بنفسه لكتابة نص جديد، ذلك أنه غالباً ما تأتيه الأفكار في هذا المكان على أطراف المدينة، حيث يجلس العابرون صدفة من سفر طويل.. يجلسون مرهقين فيستمع إلى شكواهم وحياتهم الخاصة.. يسمع كل جملة من رجل أو سيدة، أو أيّ حكاية يتناقش فيها المسافرون عبر هذا الطريق.

لحظتها يتظاهر بأنه مشغول ولكنه بعد أن يتركوا المكان يسجل كل كلمة، فهو يتخيل ما ينقص من الحكاية، ويرسم ملامح أبطال الحكاية.


يرى دائماً أن هذا المقهى مسرحية دائمة العرض، مختلفة من ناحية الأبطال، فضاؤها من حكايات الطريق، الكوميدية حيناً والبائسة كثيراً، والفلسفية نادراً، لكن المكان مسلٍّ، يجلس فيه هكذا منذ عشرين عاماً، وهو يكتب مذكراته، والتي سمَّاها «يوميَّات المقهى».


وفي أحد الأيام وصل إلى المكان فلم يجد المقهى.. اعتقد في البداية أنه أُصيب بمرض ما فتك بذاكرته، فعاد بدراجته مرة أخرى يحوم حول المكان، لكنه لم يجد شيئاً.

نظر حوله كمن فقد شخصاً غالياً عليه، فوجد آثار هدم وبقايا حصيرة أسمنتية كانت أرضية المقهى، الذي لم يكن أكثر من كشك خشبي كبير، بتلفزيون قديم لم يتم طلاؤه منذ افتتاحه تقريباً، ووجد معدات رصف، وسيارة تقذف بالطوب الأصفر الصغير، وعمالاً يقومون بحرق الـ«بلاك» الأسود.

جاءه أحد العمال يطلب منه الابتعاد حيث المنطقة مُعلق عليها لافتة «منطقة عمل.. مكان خطر»، وبشره بالطريق الجديد الذي ستمر عليه السيارات بسرعات عالية، ليربطها بالمدينة الجديدة. ترك المكان، وعاد إلى بيته القديم، وكتب في نهاية «مذكرات المقهى»: «عذراً لم يعد المقهى موجوداً، أتمنّى أن تظل هذه المذكرات تتداولها الأجيال، فقد يكون أحد أبطال هذه القصص من قرَّاء هذه المذكرات».