الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الجَسارة.. الجسر والضفتان

الجَسارة.. الجسر والضفتان

محمد عبدالله عبدالرحمن كاتب ــ الإمارات

«الجسارة».. كلمة أصبحت اليوم مُرادفة للشجاعة، كما تستخدم في وصف أكمل الرجال فعلاً، وأكثرهم لياقة ولباقة، وتلك الفئة من الناس التي اختيرت لتكون بهذه الباقة من الأخلاق المكونة لصفة الشجاعة بتجلياتها المختلفة.

والجَسارة، بدقّة، لا تعبر عن شجاعة موقف أو قدرة قتال فحسب، بل هي قدرة، وهيبة قابلة للاكتساب على الاهتداء إلى الصواب في كل لحظة، ممزوجة مزجاً تاماً مع جرأة على إبداء ذلك الصواب إلى حيز الوجود المنظور، قولاً وفعلاً.

و«الجسارة» هي مثل الجسر الفاصل بين ضفتين، ضفة ما في العالم الداخلي من معرفة للحقيقة كما هي، وحكم ملم رشيد بما يتوجب قوله أو فعله، وبين ضفة المشهد العام المحيط به المليئة بالمتغيرات والآراء والعوائق والعوامل، ذلك الجسر المحمي بحارس بوابة إما أن يغلقه أو يطيل الطريق المؤدي لعبوره، أو يقيم الجسر اللازم في أقصر زمن ممكن على متن ذلك البرزخ غير المنظور.

ولا تعني الجسارة بأي حال الرعونة أو الإهمال، فالجسر دائماً ما يتخذ شكلاً مستقيماً في اتجاهه من نقطة إلى نقطة، وإن كثرت في الجسر الانحناءات والانعطافات والمصاعد والمهابط، فإن الوصول إلى النقطتين يبقى متاحاً عبر ذلك المسلك المستقيم. فالفرد الجَسور، وإن بدى متغاضياً بوعي عن كثير من تفاصيل المشهد، مندفعاً نحو ما يراه صواباً، فإنه، ككل شجاع حقيقي، لا بد أن يعرف طريقه إلى هدفه الصحيح عبر من حوله لا على حسابهم.

والجسارة في الأصل فعل قلبي، ولأن القلب لا يمكنه أن يسعى إلا نحو قلب مثله، فإن حقيقة الجسارة هي القدرة على إبداء الصواب للقلوب وصولاً من القلوب إلى ما يبدر عنها من أفعال.. فالجَسور قنطرة بشرية مجسرة للحقائق قادرة على إيصالها بأقل قدر من الآلام إلى مستحقيها، حباً وشغفاً بالحقائق، وحباً لبذر سعادات جديدة من قلب إلى قلوب.