الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الأعرج.. وذكريات الطفولة

الأعرج.. وذكريات الطفولة
ما إن خرج محمد من مركز التسوق، حتى توقف ليعود بشريط الذكريات إلى الحي، وبل إلى الزقزاق الذي قضى فيه طفولته، وهو يراقب رجلاً يضلع بشدة في مشيته أثناء تنقله بين مواقف المركبات ليتحدث إلى القادمين والمغادرين، فطابق مشية الرجل الأعرج، الذي يراه أمامه بشعر لحيته الكثيف وقد أصابه الوهن، بتلك المشية المختزنة في ذاكرته، تشهد عن ذكريات طفولته.

اكتشف محمد بعد ذلك أن ذلك الرجل الأعرج، هو «قاسم»، الذي كان يحرص على الحضور إلى ملعب الحي الرملي لتشجيع ابن عمه سالم أثناء لعب الكرة في نهاية كل أسبوع.

سارع محمد نحوه، وهو ينادي:


ــ قاسم، قاسم.


التفت قاسم إلى مصدر الصوت، وردَّ قائلاً:

ــ نعم.. من أنت؟

ــ أنا محمد الذي كان يسكن في أول الزقزاق مقابل ملعب الكرة ،الذي كنت تحضر إليه لتشجيع جاري «سالم» ابن عمك.

عندها قال سالم:

ــ عرفتك الآن يا محمد، ولكن كيف عرفتني أنت بعد هذا الزمن الطويل؟

فقال محمد:

ـــ من خلال مشيتك يا قاسم، لكن أخبرني هل أنت تعمل هنا منظِّماً لموقف المركبات؟

أشاح قاسم بوجه عن محمد إلى الجهة الأخرى، ثم عاد ناظراً إليه وعيناه تفيضان بالدمع، وقال:

ــ أنا لا أعمل هنا، بل أسألهم بعض المال لأشتري به الدواء، بعد أن يئست من الحصول على عمل، لأنفق على نفسي وأسرتي بسبب عاهتي.

أسقط محمد ما كان يحمل في يده بدون شعور، واحتضن قاسم وسار معه نحو المركز لشراء كل ما يحتاج له من دواء وغذاء.. تُرى كم شاباً اليوم يعيش في عالمنا مثل قاسم لم يحصل على وظيفة بسبب أنه أعرج؟