الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

العدالة الجنائيَّة الدوليَّة.. والحاجة للإصلاح

العدالة الجنائيَّة الدوليَّة.. والحاجة للإصلاح
انبرى الفكر الدولي في طريقه لإنشاء مؤسسات النظام الدولي، إلى ضرورة وجود نظام قضائي دولي دائم فعال، بديلاً عن المحاكم المؤقتة والمختلطة والخاصة، التي قامت عقب الحروب والنزاعات الدولية، لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية أثناء تلك النزاعات.

بيد أن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ونظامها عام 1998، ودخوله حيز النَّفاذ عام 2002 والاختصاصات الموضوعية والشخصية والزمانية والمكانية موضع مواد النظام الأساسي لها، شابها قصور حدا بالفقه الدولي إلى انتقاد ممارساتها إزاء عدد من الإحالات، التي وجدت طريقها على دوائر المحكمة.

فالمادة (13) من النظام الأساسي للمحكمة حددت طرقاً مباشرة الدعوى أمام المحكمة في الجرائم التي تقع تحت ولايتها القضائية وفق المادة (5).


وتمثلت طرق الإحالة في ثلاث، سواء من الدول الأطراف في نظامها أو من مجلس الأمن أو مباشرة الدعوى مباشرة من قبل المدعي العام للمحكمة، أو من الدول غير الأطراف في حالة التصريح بقبول اختصاص المحكمة وما إلى ذلك.


غير أننا هنا نتحدث عن سلطة مجلس الأمن التي منحت له بموجب النظام السياسي للمحكمة، وبموجب ما قرره ميثاق الأمم المتحدة له من سلطة باعتباره معنيّاً بالدرجة الأولى بحفظ السلم والأمن الدوليين، ورغم أن السلطة التي منحه لها الميثاق قد عززت من قدرة المحكمة القضائية، وبخاصة فيما يتعلق بتعزيز ميدان التعاون مع المحكمة، لا سيما في الجرائم التي تقع على أقاليم دول غير أطراف في نظام المحكمة نظراً لكون قرارات الإحالة، تصدر بموجب الفصل السابع من الميثاق، لكنها في الوقت نفسه تحمل في طياتها تعطيل لسير العدالة الدولية لعدة اعتبارات، يأتي في مقدمتها سلطة إرجاء التحقيقات، وسير الدعوى بموجب المادة (16) من النظام الأساسي للمحكمة هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى، فإن قرار التصويت على إحالة الجرائم في مجلس الأمن يخضع لاعتبارات سياسية بين الدول الكبرى، التي تملك حق النقض «الفيتو»، وهو ما يعني إمكانية تسييس تلك القرارات، وأيضاً وضع تقرير حالة العدوان، وما إذا كان الاعتداء الواقع من إحدى الدول على أخرى يمثل عدواناً من عدمه بيد المجلس يحتاج إلى مراجعه.

وربما يفتح هذا الأمر النقاش حول ضرورة وجود بدائل أخرى لتجاوز هذه الحالة، التي تحتاج إلى إصلاح لمنظومة التصويت في المجلس في مثل هذه الحالات، بحيث تخضع للتصويت بالأغلبية دون اعتبار لحق النقض في حال موافقة الأغلبية، أو في حال عدم توصل المجلس لقرار بالإحالة يتم التصويت عليها من قبل الجمعية العامة بالأغلبية كبديل ليتم إحالة الوضع، وتحقيق نوع من العدالة، والحرص على عدم إفلات المجرم من العقاب.

وقد شاهدنا في الوقع الذي نعيشه كثيراً من النزاعات المسلحة، والاعتداءات الوحشية على السكان المدنيين والعزل واستخدام القوة المسلحة المفرطة وما تخلفه من جرائم قتل وتهجير قسري، وتعذيب، وجرائم جنسية، لكنها في واقع الأمر لم تحرك ساكناً لدى مجلس الأمن، ولم يستطع المجلس إحالتها للتحقيق أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب حق النقض.

وإذا أقدم المدعي العام للمحكمة على مباشرة التحقيقات من تلقاء نفسه، وأخذت الدعوى طريقها في دوائرها التمهيدية والابتدائية، فإن لدى المجلس سلطة الإرجاء لمدة 12 شهراً مع التجديد وعدم التحديد، وهو أمر يطرح التساؤل حول جدوى وجود نظام قضائي دولي مع إيقاف التنفيذ.