الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الكلمة.. الأم الأولى للحياة

الكلمة.. الأم الأولى للحياة
في البدء كانت الكلمة، وكان الوجود، ومع البدء جاءت النعم، وكانت الوعود، وبالكلمة كانت الرحمة، وبالكلمة ابتسمت الأرض، وبكت السماء، وبالكلمة أطاعت الأرض، فابتلعت الماء، وسمعت السماء فأذعنت لأمر بارئها، وبالكلمة استجاب كل شيء لأمر الله، «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون» (سورة يس الآية 82)

الكلمة هي الأم الأولى للحياة، حملت على جناحيها فيض الروح ورسالات السماء، وكانت صورة ولحناً أبدياً يتجدد بفيض من نفوس تواقة للحياة، فتبدو فتية تولد من جديد.

وهنا يظهر دور الشاعر في اختيار اللفظ الملائم للمعنى، ولغة الشعر تختلف عن لغة العلم أو لغة النثر، حيث يسعى العالم إلى استخدام اللغة بشكل جامد ومحدد في كل الأوقات، بينما يبني الشاعر لغته الخاصة من خلال عملية الإبداع لتجاوز الكلمة مدلولاتها الحرفية، ولتحمل ظلالاً وإيحاءات خاصة بتجربته الخالية.


وللشعر لغته الخاصة التي تتميز عن لغة العلم ولغة الفلسفة، فاللغة وعاء يتجدد عن طريق الخيال، ومن فيضه يتجدد زمان اللغة، وكأنها تولد من جديد، حيث تكسب الطبيعة اللفظية الملموسة، ومن فيض نفس الشاعر تتألف الألفاظ فيما بينها لتوجد انسجاماً يخاطب الروح.


وهنا تظهر عبقرية الشاعر، وتفوقه في استخدام الكلمة، حيث يعطيها وفق السياق الجديد الكثير من الإيحاءات والدلالات التي لا تتوقف عند زمان محدد، بل تصبح الكلمة شاعرة حين توافق في التعبير إحساس الشاعر، وتعبر عن متطلبات الروح والجسد.

وفي الكلمة يبث الشاعر الحياة ويعتمد على الخيال ليصل إلى الصورة التي تجمع بين الجدة والغريب من الشعور، ويكشف أسرار الحياة والكون، ومن خلالها تستمر ومضات الإبداع، التي لن تتوقف ما دامت الحياة على وجه الأرض، وستجدد الكلمة مع تجديد خيال الشاعر.. وبالكلمة يستطيع الإنسان فكَّ أسرار الكون والدخول إلى أغوار الحياة وثنائية الوجود.