الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

نحن كما يرانا أحبّتنا

نحن كما يرانا أحبّتنا
بينما كان يستطلع رأي أفراد عائلته في لوحته التي رسمها بكل أحاسيسه لشخص يحنُّ إليه؛ اقتربت منه والدته وربتت عليه، ثم تأملت تحفته الفنية، وسألته:

ــ أكُنْت تبْكي، وأنت ترسمها؟!

في موقف آخر حيث الزمان يغدو في رحلته بعيداً، ويراه قريباً، أبدى أحد أصدقائه رأيه في كتاباته التي دونها لرصد حالات الواقع المؤلم، وكيفية التعايش معه، والتغلب على الصعوبات.


في موقف ثالث أمسك أحدهم يده، وقال له:


ــ كأن يدك كانت ترتعش وأنت تترجم ما بداخلك من مشاعر، أكُنْتَ حزيناً وأنت تكتب؟!

وبينما كان يتحدث مع صديقه بصوت عالٍ، وهو متوتر لشراسة ما واجهه من تحديات، سأله صديقه بقلق:

ــ أأنت متعب؟

ويوماً ما كان عائداً من الخارج، متبسماً ضاحكاً في الظاهر، مُخْفياً لأمر أزعجه، همس والده في أذنه متسائلاً:

ــ أَأزْعَجَك شخص ما في الخارج؟

الحالات السابقة نعيشها كل يوم، وعلى طول العمر، حيث هناك أشخاص في حياتنا يرون ما بداخلنا، في الغالب أكثر مما نرى أنفسنا، ويعلمون ما تخفيه مشاعرنا الحقيقية وراءها سواء أكانت بكاءً أو ضحكاً، ألماً أو متعة، حزناً أو فرحاً، رغم تظاهرنا بعكس ما نحن عليه حقيقة.

أولئك يحبوننا بصدق ووعي، لذلك عرفوا ما بدواخلنا من صراع بين حقائق أنفسنا ونقائضها، وهذا التجلِّي أمامهم بوضوح قد يعود لكونهم يدركون أدق تفاصيل حياتنا، وطبيعة علاقتنا معهم، نتيجة طول الملازمة، والخبرات السابقة، والمواقف الحياتية العديدة، وطبيعة الظروف التي جمعتنا وإياهم، والرؤية بعمق.

هكذا إذن يظهر جوهر معدننا، والأوقات التي تنْجلي فيها أنفسنا من ضيقها إلى رحابة الأفق الواسع في علاقات طيبة وممتدة، لأنهم يروننا أنقياء من الداخل، نظراً لما نحمله من مبادئ وقيم وأخلاق.. لأننا بالنسبة لهم نمثل قيمة سامقة، لهذا قُوبِلْنا باهتمام كبير منهم.