الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«زعفران كشمير».. والتراث العربي

«زعفران كشمير».. والتراث العربي

كيف جاء الزعفران إلى حيز الوجود؟ ومتى تمت زراعته في كشمير؟.. هناك كثير من الأقوال والقصص والأساطير التي تتعلق بمناطق مختلفة من العالم، فمثلاً البعض يُنسب الزعفران إلى كليوباترا والملوك الفراعنة، مستشهداً بأن المعابد المصرية القديمة كان يتم تطهيرها بماء زعفران، ويرى آخرون أن أزهار الزعفران كانت تتناثر في شوارع روما للترحيب بملكها «نيرو» (Nero).

وتشير الكتب التاريخية إلى أن استخدام زعفران كان مقتصراً على الطبقة الحاكمة والأثرياء، وبعد مرور الزمن والسنين أصبح جزءاً لا يتجزأ من جميع تركيبات أدوية علماء وحكماء في العصور المختلفة، ومنهم الرازي وابن سينا والبيروني.

وأما زعفران كشمير فيعتبر من أرقى وأنقى وأفضل وأندر أنواعِ الزعفران في العالم كله، ويتم حصاده من قبل أمهر المزارعين على نطاق عام وتجاري، ويتميز بشعيراته الداكنة اللامعة، ورائحته الطيبة الحلوة المنغمسة، ونكهته الفريدة، وهو جزء من تاريخ وثقافة كشمير، ويطلق عليه اليوم اسم «الذهب الأحمر» أو «الذهب الصحراوي»، كما يعرف باسم آخر، وهو «كيسر».

وقد جاء ذكره كثيراً في الشعر الكشميري والأوردي وكذلك في أمثالهما، وأيضاً في اللغة العربية وآدابها خاصة في الأحاديث النبوية الشريفة والشعر، حتى في مرحلة الجاهلية، من ذلك قول الأعشى:

وتَبْرُدُ بَرْدَ رداءِ العروسِ

في الصيف رقْرَقْت فيه العبيرا.

وقد كثرت أسماء الثياب الصفر الجميل عند العرب فسموا: الرَّداعة: القميص لُمّع بالزعفران والطيب، وقال بديع الزمان في إحدى مقاماته: «ومعنا على الطعام رجل تسافر يده على الخوان، وتأخذ وجوه الزعفران».

وقال أحمد أمين في كتابه الشهير «فيض الخاطر»: «كان البغداديون يلوّنون الطعام ويكرهون أن يقدموه بلا تلوين، ويسمون الطعوم غير الملونة، الطعوم المعتدَّة» تشبيهاً بالمرأة في العِدّة؛ لأنهم يكرهون منها أن تلبس الثياب المُلونة، فكانوا يلونون الطعام بالزعفران.

وروى الجاحظ أنَّ من أشهر الأمثلة «أهلك النساءَ الأصفران: أي لون الزعفران»، وهذا يدل على غرام النساء بالزعفران، وظهور هذا الغرام، وحبهن للزعفران لأنه خير أنواع الزهور، وقد سميْت بغداد بـ«مدينة الزعفران» في العصر العباسي وقد جعلوا له قوة سحرية فقالوا: «إنه إذا كان في بيت لا يدخله سام أبرص».

وأما الأحاديث النبوية فكثير منها يشتمل على ذكر الزعفران تتحدث عن صفات الجنة ونعيمها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت يقول صلى الله عليه وسلم، عن تراب الجنة قال أبوهريرة: «قلنا: يا رسول الله، حدِّثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ وَلاَ يَبْأَسْ، وَيُخَلَّد وَلاَ يَمُوت، لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ ‏»‏ (رواه أحمد والترمذي).

وقد نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْباً مَصْبُوغاً بِوَرْسٍ، ‏‏‏‏‏‏أَوْ زَعْفَرَانٍ. (رواه ابن ماجه). وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ. (رواه البخاري ومسلم) وعن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ مَنْ جُرِحَ جُرْحاً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً، فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ لَوْنُهَا كَالزَّعْفَرَانِ. (رواه النسائي)

ونجد في الشعر العربي كثيراً وصف زعفران كجمال الوجه والحسن، وكان الشعراء يتفننون بوصف هذه الزهرة الجميلة، من ذلك قول الشاعر الحطيئة:

تَرَى الزّعفرانَ الوَرْدَ فِيهِنَّ شاملاً وإنْ شئنَ مسكاً خالصاً لونه ذفرْ

وقول الشاعر عمرو بن معدي كرب:

وصِبْغُ ثيابها في زَعْفَرانٍ

بِجُدَّتِها كما احْمرَّ النَّجيعُ

وقول الشاعر أبي العلاء المعري:

أعرِضْ عن الثورِ مَصبوغاً أطايبُه

بالزّعفرانِ، إلى ثورٍ من الأقِطِ

وقول الشاعر البحتري:

مِنْ مُدَامٍ كأَنَّها ذَوْبُ تِبْرٍ

مائِعٍ أَو مُجَاجَةُ الزَّعْفَرانِ