الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

حديث حول الهوية العربية

حديث حول الهوية العربية
قرأت، ذات مرة، أن أحد محرري الصفحات الثقافية لمجلة عربية شهيرة ذهب إلى إسبانيا لإعداد تقرير تاريخي عن الحضارة الإسلامية في الأندلس، وعندما استقبلته المرشدة السياحية في مدريد أصرَّت على الحديث معه باللغة الإسبانية التي لم يكن يجيدها، وعلى قدر الصعوبات التي واجهها المحرر في التعامل مع تلك المرشدة إلا أنها ودعته باللغة الإنجليزية عند انتهائه من اعداده تقريره.

وعندما سألها عن الحوار معه بالإسبانية رغم إجادتها للغة الإنجليزية، أخبرته أنها تجيدها بطلاقة مع الفرنسية والألمانية ولكنها تعتز بلغتها الأم.

فحوى القصة السابقة: أن الحديث باللغة الأم جزء من متطلبات عملها الثقافي والقومي، وفي سياق هذا القول، هناك العشرات من القصص التي تحاكي هذه القصة حول نمطيّة الاعتزاز، والثقة التي ينبغي إبرازها كهوية أمام الآخر، فهنا تظهر الثقة باللغة كإحدى أهم مقومات الهوية الإنسانية.


لا شك أن ترديد فكرة نظرية المؤامرة قد يعيق الالتفات الثقافي تجاه هذه المعضلة التي نعانيها اليوم، لكن ما نراه اليوم من التعبئة الفكرية ـ وهي تعبئة مدمرة وعابثة وقاتلة ـ لدى بعض وسائل الإعلام العربية، وما تقدمه من طرح إعلامي سفيه ـ بوعي أو من دونه ـ يمس مقومات التاريخ والقيم والدين، وتقديمها محتوى مغاير باعتباره بدائل ثقافية الأخرى كمستنسخات لطبيعة وكينونة المجتمعات الغربية.


كما أن ذلك يدق أجراس الخطر تجاه هويّتنا التاريخية، ولعل دعاوى الحريات وحقوق الإنسان ومظلومية المرأة، التي يرددها بعض أدعياء التنوير أو المنظرين كشعارات فكرية أو ثقافية، تعمق إشكاليتنا مع الهوية، لا سيما أن بعضهم يصر على تقديم طرحه التخريبي دون النظر في العواقب والمالات الوخيمة، بل أنه يصر على صواب طرحه.

الملاحظ، أن محاولات طمس الهوية التاريخية للعرب والمسلمين يرتكز بالأساس على منظومة إعلامية يقودها بعض الإعلاميين المتأثرين بقيم الحضارة الغربية، وما أكثرهم هذه الأيام، ولا شك أن لديهم أتباعاً هم الآن أبواق إعلامية تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، وتردد شعارات ربما لا تدرك سياقاتها التاريخية، والغريب أن هؤلاء لا نجدهم أثناء الإشادة بعالم مسلم بارع أو طبيب وطني بارز، فهذه الشواهد المضيئة تتشكل كأحجار عثرة أمام مشاريعهم التخريبية .

أيضاً، ما يقدمه بعض الأعمال الفنية في السينما والمسلسلات أو عبر مقاطع بعض مشاهير السوشيال ميديا – سواءً بقصد أم بغير قصد – من بث ونشر السلبيات داخل المجتمعات العربية بصورة تهكمية، أو إلقاء الضوء على الجوانب السلبية في الشخصية العربية أو الإسلامية، قد أسهم بشكل أو بآخر في تعميق أزمة الهوية الإسلامية.

وأخيراً، لا شك أن كينونة الهوية العربية والإسلامية ذات عراقة حضارية في تاريخ الوجود الإنساني، وقد شكلت حقبة علمية مضيئة في زمن كان الجهل فيه مخيّماً على معظم المجتمعات البشرية، وهذه الحضارة تشكل مصدر اعتزاز للعرب والمسلمين كهوية تاريخية لهم.

لذلك فإن أهم ما نحتاجه اليوم هو التصدي الإعلامي، ومواجهة أيّ مشروع ثقافي أو فكري يرتكز على هز ثقتنا بهويتنا العربية والإسلامية، وتعميق ذلك كمنظومة إعلامية عربية مشتركة، سواءً في المناهج الدراسية أو عبر الخطاب الديني أو من خلال المنظومة الإعلامية بشقيها التقليدي أو الإلكتروني.