الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

القدر.. ومتاهة العَجْز

القدر.. ومتاهة العَجْز
جلس شاب محزون في إحدى الحدائق العامة، كانت دقّات قلبه تتسارع، مصحوبة بأنفاس لاهثة.. لقد أنهكته الحياة وتحدياتها حتّى إنه لم يعد قادراً على تحمّل ذاته.

كان جلوسه بجوار رجل عجوز، رأف لحاله وتوجّع لآلامه، تأمله مليّاً ثم سأله:

ــ لماذا تبدو حزيناً ومهموماً ويائساً؟


سكت الرجل العجوز برهة، ثم أضاف قائلاً:


ــ معذرة لتطفلي، فقد رأيتك في حالة يرثى لها.

نظر الشاب إليه، وهو يريد إطلاق سراح دموعه المحبوسة، والتخلص من المشاعر المؤلمة التي بداخله، فقال له وقد توسّم فيه الخير:

ــ أنا إنسان مبتلى، مقطوع الجذور.. أرى دائماً أن هناك حلقة مفقودة بين ما أقدمه، من أجل أحلامي وبين المردود منها، لقد انتظرت كثيراً، وأسرفت أعواماً من عمري ولم أتلق ما أريد، حتّى إنني شققت طريقي بقوة تجاه ما أتمناه، وانتهيت إلى قناعة مفادها: أن الحياة ليست عادلة.. فهي تميل لصنف دون آخر، فتحول كل ما بداخلي إلى خرس تام، و..

قاطعه العجوز معلّقاً بشغف:

ــ بغض النظر عن أحزانك فأنت لم تقرأ الأحداث التي مررت بها ببصيرة نافذة ووعي، كنت تراها فقط مسرودة ومتتابعة ولم ترَ العبرة منها، ولم تحاول أن تصل إلى حكمة الله فيها، فما تراه لحالك وصلابة الحياة معك ليس بالصورة الكاملة لك، فأنت لم ترَ سوى ما يشتت تفكيرك ومحاباة القدر للبعض، وسجنت نفسك في فكرة بائسة، وتحول كل بداخلك إلى السخط والتذمر، فما نمر به ليس عشوائياً ولكن عدم إدراكنا فلسفة أحكام القضاء والقدر، هو ما يجبرنا على أن نظل في متاهة العجز، فالحياة ليست عادلة كما خُيِّل لك، فتعبك لم يضِع هباء منثوراً، حيث لا يزال هناك لقاء مع الله ينتظرك.