الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الصَّيْد الجائر.. وتهديد الحياة البحرية

الصَّيْد الجائر.. وتهديد الحياة البحرية
يتراءى لبعض الناس أن الأسماك والحياة البحرية لا تنتهيان أبداً، وهو اعتقاد منافٍ للحقيقة، حيث أثبتت أحدث البحوث أن الأغذية البحرية سوف تغيب تماماً عن موائدنا بحلول عام 2048، إذا لم نبادر لوضع حدّ لظاهرة الصيد الجائر overfishing.

يحدث الصيد الجائر عندما تتجاوز سرعة الصيد قدرة الأسماك على تعويض أعدادها المفقودة، وهذا يؤدي إلى تراجع المخزون البحري منها، وجاء في تقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن مجمل الكميات التي تم اصطيادها في مصائد بحار ومحيطات العالم عام 2018 سجل رقماً قياسياً غير مسبوق بلغ 96.4 مليون طن أو ما يمثل زيادة بنسبة 5.4% عن الكميات التي كان يتم اصطيادها سنوياً بين عامي 2014 و2017.

ولا يشكل الصيد الجائر تهديداً للبيئة الأحيائية البحرية وحدها، بل يمثل ضرراً كبيراً ومباشراً لشرائح متنوعة من الناس الذين يعتمدون على الثروات البحرية لتحصيل رزقهم، كالصيادين وتجار الأسماك والمطاعم.


وفي يوم 8 يونيو من كل عام، تنظم الأمم المتحدة «اليوم العالمي للمحيطات» بمشاركة باحثين وعلماء وسياسيين، ويمكن أن نستقرئ من هذه الدورات مجموعة من الحقائق المهمة المتعلقة بالصحة العامة للحياة البحرية والأخطار التي تهددها.


وأشار المشاركون فيها إلى أن الفترة الممتدة بين عامي 1961 و2016، شهدت زيادة سنوية في معدل استهلاك الأغذية البحرية على المستوى العالمي بلغت 3.2%، وهي تعادل ضعف المعدل السنوي لتزايد عدد سكان الكرة الأرضية البالغ 1.6% سنوياً.

وفي إطار برنامج تتبناه الأمم المتحدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للحياة البحرية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة، فإنها تسعى للحفاظ على نسبة مستدامة بيولوجيّاً من المخزون السمكي البحري.

وفي عام 2017، بلغت هذه النسبة 65.8% من القيمة المستهدفة انخفاضاً من 90% عام 1990، ومن شأن هذه الأرقام أن تعبّر عن جدّية الخطر الداهم الذي يمثله الصيد الجائر على الحياة البحرية.

وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، سجلت أعداد الأنواع البحرية تراجعاً كبيراً قدره بعض الخبراء بنسبة 39% بسبب «الصيد العرضي» bycatch حيث يتم اصطياد كميات كبيرة من الأحياء البحرية غير المرغوب فيها ويتعامل الصيادون معها كنفايات، ما يتسبب في خسائر كبيرة لأعداد هائلة من الحيوانات البحرية، وتوصلت بعض الإحصائيات إلى أن نحو 38.5 مليون طن من أحياء الصيد العرضي يتم إتلافها سنوياً.

وتعدٌّ الصين أكبر دولة منتجة ومصدرة للأسماك والأحياء البحرية في العالم، بينما يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مستورد لها، وتتصدر «التونا» قائمة الأسماك الأكثر استهدافاً في عمليات الصيد، حيث وصل إنتاجها إلى قيمته القياسية عام 2018 وبلغ 7.9 مليون طن.

وتشير مصادر منظمة «الفاو» إلى أن ظاهرة الصيد الجائر تتفاقم على نحو متسارع حتى تجاوزت أشهر مصائد الأسماك في البحار والمحيطات حدود الاستدامة البيولوجية، وأصبحت تهدد باختفاء أسراب الأسماك ومعها الكثير من الأحياء البحرية الأخرى.

وأصبحت البحار والمحيطات تتحمل من جشع وأطماع الصيادين ما لا طاقة لها به، وبلغ عدد سفن الصيد متنوعة الأحجام التي تجوب البحار أكثر من 4 ملايين، وبعضها مجهزة بتقنيات معقدة ووسائل ضخمة لاصطياد أكبر كمية من الأسماك خلال أوقات قياسية.

وتكمن المشكلة الكبرى في عدم وجود سلطة قادرة على فرض القوانين المتعلقة بتنظيم استغلال المصائد البحرية والمحيطية العالمية، وهذا ما أدى إلى اختفاء الحيتان وأسماك القرش والدلافين والماكاريل والميرلون وغيرها من أنواع الأسماك، التي كانت تعمر البحار، وتسهم في تحقيق التوازن في البيئة البحرية.