الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

قارئ الأحذية

قارئ الأحذية
كل المارة في شارع «رمسيس» بالقاهرة لا يحترسون لخطواتهم السريعة، وأحذيتهم البالية، كأني لستُ هنا، على الرغم من أنني أقوم بالطرق على صندوقي الخشبي بفرشاة تلميع الأحذية، كلما رأيت أحدهم، أقصد حذاءه، يمر من أمامي،

ها هم ينظرون إليّ، ثم ينظرون في ساعة الموبايل، ويتخذون قرارهم بالتلميع من عدمه.

أعرفهم جميعاً، وكيف لا؟! وأنا قارئ الأحذية تماماً مثل قارئ الكف والفنجان.. إنني أعرف ماهية الشخص ما أن يضع حذاءه على صندوقي الخاص بتلميع الأحذية.


إنني أعرف أولئك المارون بسيماهم، فهذا قروي حذاؤه ملطخ بالطين، وهذا عامل حذاؤه مفلطح مزود بفتحات تهوية بفعل آلاف الأميال التي قطعها الحذاء في فترة وجيزة، أما ذاك فهو موظف بسيط حذاؤه لا يخفي أبداً جوربه المتهالك.


وهناك آخرون غيرهم أعرفهم ما أن يمرون أمامي أو بجانبي، ولا يقبلون علي، فهذا صاحب حذاء يلمع.. إنه أمين شرطة أو يعمل في جهاز حكومي، وهو يقوم بتلميع حذائه بشكل دائم.. لمعانه بدون بريق، وكأنه خاضع لأمره.

وذاك صاحب حذاء، ثمنه قد يكفيني لمدة عامين أو أكثر.. من المؤكد أن صاحبه لديه أحذية أخرى كثيرة ثمنها لا يقل عن خمسين عاماً من التقاعد والمعاش المبكر، المدهش أن ضربي على صندوقي عند مشاهدتي لهذا الحذاء يضطرب ويخجل معلناً عن اعتذار محفوف بالخطر، وهذا حذاء شخص غير مسؤول يحمل لونين، ربما يكون صاحبه فناناً أو ذا مزاج متقلب، أو يعمل في مجال السحر والطلاسم.

أما هذا الحذاء، فأنا أكاد أجزم بأنه مسروق من أحد المساجد، فهو لا يتماشى أبداً مع ملابس صاحبه.. ذلك الرجل الذي يتسم بملامح وجهه غير المريحة إطلاقاً، ومن المؤكد أنه لم يعتنِ به مطلقاً، وإذا أصابه تمزّق أو تلف استبدله بآخر بمنتهى السهولة، ذلك أن المساجد تعج بالناس من مختلف الطبقات، وأحذيتهم لها مقاسات مختلفة.