الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مقالات الكاتبة «إيمان الهاشمي».. و« فن الجناس»

مقالات الكاتبة «إيمان الهاشمي».. و« فن الجناس»
يعتبر الكاتب الفرنسي «ميشيل دي مونتين» علامة فارقة في تاريخ نشأة المقالة الأدبية، بل يمكننا القول: إنه مؤسس فن المقالة الأدبية في شكلها الحديث، وتنقسم المقالة الأدبية إلى نوعين، هما: المقالة الذاتية تلك التي يعبر فيها الكاتب عن شخصيته، فتبدو جليةً للقارئ ما يجعلها تأسره، وتستحوذ على اهتمامه، وتثير شغفه وولعه، فيتابعها حتى آخر حرف، لما تحمله من صور خيالية بديعة وألفاظ جذلة أنيقة يختارها الكاتب بعناية.

وأما النوع الثاني فهو: المقالة الموضوعية، التي تتناول موضوعاً يستخدم فيه الكاتب أسلوباً علميّاً لتوضيحه وكشفه للقارئ بعيداً عن شخصيته وأفكاره.

والفنانة الكاتبة «إيمان الهاشمي» مزجت النوعين بطريقة النوتات الموسيقية؛ لتعزف لنا مقطوعات سيمفونية بالحروف، يمتزج فيها سحر الكلمات المسجوعة مع نقد بارع لمواضيع مهمة في واقعنا المحيط.. ولا عجب فهي أول ملحنة وعازفة بيانو إماراتية وملحنة أوركسترا، تعزف الحروف بين يديها كالنغمات.


حين نتصفّح كتاب إيمان الهاشمي، الذي يحمل اسم جواز suffer، نجده عبارة عن مجموعة مقالات تحمل أسماء مشوقة تأسرك منذ الوهلة الأولى، وتثير في عقلك عشرات الأسئلة، وكل مقالة تحمل اسماً هو في الحقيقة تقرير يعبر عن حالة من الدهشة، ويطرح ألف فكرة لم تخطر إحداها على عقلك من قبل.


ومن هذه العناوين: ساندغوريلا، مباراة كرة قلم، روميو ويا ليت، سيدة العناء العربي، حكاية قبل اللوم، كوكب القرض، وغيرها من العناوين التي تحمل في الغالب مقاطع مألوفة مع تغيير بعض الكلمات بشكل غير متوقع.

ونقف عند عنوان الكتاب، الذي هو عنوان أحد هذه المقالات جواز Suffer، وتتناول هذه المقالة حكاية امرأة حلمت بالسفر أو ربما أُجبرت عليه نظراً لظروف أسرتها القاسية، لتسافر إلى بلدٍ آخر تعمل فيه خادمة.

استخدمت الكاتبة أسلوب الجناس بأشكاله المختلفة، حتى إنها اختارت في العنوان لفظاً باللغة الإنجليزية وعبرت عنه حسب الصوت المسموع له Suffer، وهي الكلمة التي تعني «سفر» بعد كلمة جواز، ثم عادت وكتبتها مترجمة لتوضح المقصد والهدف من استخدام هذه الكلمة باللغة الإنجليزية «جواز معاناتها».. ونجدها أيضاً استخدمت الجناس الناقص يبدأ بكلمتي: التأشيرة والتكشيرة

ثم نجده في هذه الكلمات بنفس التسلسل:

الخادمة

نادمة

القادمة

صادمة

الهادمة

عادمة

رادمة

ولو التفتنا لتتابع الكلمات في السرد لوجدناها تعبر عن سلسلة من الأزمات، التي تواجهها الخادمة بعدما تنتقل للعيش في بلد يختلف كلية في العادات والطباع وحتى الدين عن بلدها، وبالإضافة لهذه الضغوط تكون المواجهة الأكبر بعملها كخادمة فتصاب بحالة من الندم بعدما كانت حرة طليقة في بلدها القادمة منه.

وتتوالى الصدمات ما بين اختلاف طباع مخدوميها ومعاملتهم لها، واختلاف اللغة وتقييد حريتها ما يهدم ملامح شخصيتها، ويجعلها مجرد آلة تعمل فقط وغير مسموح لها بالراحة أو التعبير عن معاناتها، فتصبح عديمة الإرادة وتفقد آدميتها مما يجعلها بركاناً قابلاً للانفجار في أية لحظة، ومن ثَمّ فلا نتعجب حين نسمع عن جرائم الخدم وما يقومون به من أذى لمخدوميهم.

من خلال هذه السطور البسيطة لخصت الكاتبة إشكالية مهمَّة جدّاً، وخطراً حقيقيّاً بات يهدد الأسر التي تتعامل مع هذه الفئة.. وقد بيَّنت الحالة النفسية والضغوط التي تتعرض لها هذه الفتيات مما يدفعهن للالتحاق بقوائم المجرمين، ولو علمنا بما يصيبهن فربما يمكننا تخفيف الضغوط عنهن.

وتنتهي الكاتبة بدعوة المجتمع للاهتمام بهذه الفئة المهمشة، ومنحها بعض الرعاية، حيث لا يمكن الاستغناء عنها مع التدقيق في الاختيار والاهتمام بمعاملتها معاملة آدمية ومراعاة ظروفها والبعد عن أوطانها وعائلاتها.