الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

العدالة.. والقرد الذي طالب بالعنب

العدالة.. والقرد الذي طالب بالعنب
رفيدة بن ققه مترجمة وكاتبة - الإمارات

يحفل التاريخ العلمي لدراسات سلوك الحيوان، باستنتاجات ساذجة توصل إليها البشر عند اعتمادهم على منهجية تجارب، أراد فيها العلماء رؤية نتائج مشابهة أو مطابقة لنتائج دراساتهم على البشر.

كانت الدراسات تميل على الأغلب إلى استنتاجات تقلل من شأن «الحيوانات» وقدراتها العقلية، حيث آمن العديد من العلماء والفلاسفة على مر التاريخ، وربما بعض منهم حتى اليوم، بأن الحيوانات غير البشرية ما هي إلا منظومة بيولوجية لا تملك إدراكاً أو وعياً أو مشاعر.


وبالتالي، فإن هذه الحيوانات، بلا شك، غير قادرة على استيعاب مفاهيم أعمق كالعدل والإنصاف، على عكس البشر.


يُظهر الفهم البشري للعدل والإنصاف في لعبة عُرفت باسم «الإنذار الأخير» يعتمد عليها علماء الاقتصاد عادة لدراسة صنع القرار عند البشر.

وتحتوي اللعبة على شخصين، يُمنح الطرف الأول فيها مبلغاً من المال شريطة أن يقتسمه بشكل يرضي الطرف الثاني، حيث إن رفض الطرف الثاني للعرض يعني خسارة كلا الطرفين للمبلغ كاملاً.

وقد أظهرت نتائج التجربة عند إجرائها على البشر أن أي عرض يقل عن 20% من إجمالي المبلغ الممنوح للطرف الأول، يُقابل بالرفض من الطرف الثاني، وذلك نظراً للفهم البشري للعدل والإنصاف.

وهنا يُطرح السؤال الآتي على علماء سلوك الحيوان: هل يفهم غيرنا من الحيوانات معنى العدل والإنصاف؟

في محاولة للإجابة على هذا السؤال عَمَدَ كل من كيث جنسن وزملائه في معهد «ماكس بلانك» إلى محاكاة لعبة «الإنذار الأخير» على قِرَدَة الشمبانزي مستبدلين المكافأة المالية بالزبيب.

وعندما أظهرت نتائج هذه التجربة أن الشمبانزي الثاني كان يقبل بأي كمية من الزبيب يقدمها له الشمبانزي الأول، استخلص فريق جنسن أن مفهوم العدل والإنصاف صفة بشرية بحتة.

ولكن دراسة أخرى أجرتها «سارة بروسنان، وفرانس دي وال» عام 2003 على قِرَدَة الكابوتشين أظهرت العكس تماماً.

خلال تلك التجربة، وُضع قردان في قفصين بجانب بعضهما البعض، وكان عليهما تنفيذ مهمة بسيطة، وهي أخذ حصاة ومنحها للمُخْتَبِر في مقابل مكافأة، عندما يؤدي القرد الأول المهمة، تتمثل مكافأته في شريحة من الخيار.

من ناحية أخرى، يحصل القرد الثاني عند أدائه لنفس المهمة على حبة عنب كمكافأة له، وهو طعام تفضله هذه القردة أكثر بكثير من الخيار.

بعد مشاهدة هذا التبادل، يؤدي القرد الأول نفس المهمة مرة أخرى، ويتلقَّى مرة أخرى شريحة الخيار، إلا أنه وبعد أن رأى مكافأة جاره القرد، رفض تناولها وطالب -مُصِّراً- بحبة عنب بدلاً من ذلك.

الجدير بالذكر، أن هذا الاعتراض لا يحدث إلّا حين يرى القرد المكافأة غير المنصفة التي يتلقاها الآخر، حيث إنه على استعداد أن يقبل بالخيار كل مرة لو تلقى صديقه القرد نفس المكافأة.

ولكن ما أذهل بروسنان، ودي وال هو النتائج التي حصلا عليها عند محاكاة نفس التجربة على قردة الشمبانزي، حيث رفض الطرف الذي حصل على المكافأة الأفضل تلقِّي هذه المكافأة إلّا حين أن يحصل الطرف المظلوم على نفس المكافأة، وبهذا لا نرى فقط قدرة غيرنا من الحيوانات على فهم العدالة والإنصاف، بل قدرتهم على التقمص العاطفي الذي يجعلهم يدافعون عن العدالة التي يستحقها غيرهم.

ونظراً، لأن العديد منا يستخدم تفوق البشر الذهني كحجة أو تبرير للممارسات القاسية وغير الأخلاقية تجاه الحيوانات، تساعد مثل هذه من الدراسات العلمية حول سلوك الحيوان على إبطال هذه الحجج، إذ إننا نرى من خلالها الشبه الكبير بيننا وبين هذه الحيوانات، ليس فقط من حيث جهازها العصبي، بل من حيث ذكاؤها وعواطفها.

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]