السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

ورق البردي.. مرآة الحضارة الفرعونية

ورق البردي.. مرآة الحضارة الفرعونية
رامي فارس أسعد كاتب وصحفي ـ العراق

الصناعات التقليدية في مصر، تمتاز بطابع خاص يميزها عن بقية الصناعات في البلدان الأخرى، ولعل أغلب الصناعات التقليدية في عموم الدول تعتمد اعتماداً مطلقاً على سوق السياحة، وهذا بدوره غير مستقر على حال. كما حصل في أزمة وباء كوفيد-19.

صناعة ورق البردي من الصناعات القديمة التي تفردت بها مصر منذ آلاف السنين عن بقية الحضارات والبلدان، حيث كان ورق البردي المرآة الحقيقية التي عكست للعالم إبداعات حضارة وادي النيل، فمن خلاله نقل إلينا المصريون القدماء لغتهم وكتاباتهم ورسوماتهم بما في ذلك إنجازاتهم على كافة الأصعدة العلمية، فمن جدران المعابد والصروح إلى مراسلات الملوك والأمراء وقادة الجند وعامة الشعب.


السائح الذي يزور مصر سيأخذ معه أثناء المغادرة تذكارات عديدة، منها ورق البردي الذي يكثر في الأماكن والمحلات السياحية، إذ يباع بأثمان رخيصة إذا كان خالياً من أي رسومات، أما إن كان حسب الطلب أو يحتوي رسومات فبالتأكيد سيباع بسعر غال نوعاً ما، وهذا يعتمد على الأكثر حسب الحجم والمقاس، والرسومات عادة ما تكون مناظر ومشاهد من حضارة وادي النيل.


يحدثني أحد باعة ورق البردي عن طبيعة الرسومات فيقول: «الرسومات المستوحاة من الحضارة الفرعونية على ورق البردي دائماً ما تكون الأنسب كون ورق البردي واحداً من أهم وأبرز منجزات تلك الحضارة، كما أنها تلقى إعجاب السائحين الأجانب الذين يقبلون على شرائها نتيجة ولعهم وهوسهم بحضارة المصري القديم التي أذهلت العالم».

أثناء تواجدي في السوق القديم بشرم الشيخ جنوب سيناء زرت أحد المحلات الكبيرة المتخصصة في بيع ورق البردي، وكان المحل كبير نوعاً ما، تزين جدرانه البرديات بمختلف رسوماتها الفرعونية والإسلامية والآيات القرآنية والأحاديث النبوية وبعض المناظر للصروح الإسلامية والمسيحية في القاهرة، فطرحت سؤالاً على صاحبه إن كانت تصنع حسب الطلب، فقال: «نعم، بعضها يصنع حسب الطلب والبعض الآخر رسومات جديدة لا تقتصر على الحضارة الفرعونية».

وأضاف: «نتيجة لسوق السياحة المتذبذب في مصر فكرنا أن نطور من تلك الصناعة وذلك عبر رسومات ومشاهد جديدة، فمثلاً آية الكرسي التي تراها أمامك هذه تم تجهيزها حسب طلب سائح من إحدى الدول العربية وبالحجم الكبير، وهنا ترى بردية لبعض السور القرآنية والحبر المستعمل في الكتابة يكون من نوع خاص، حيث يعطي بريقاً في الظلام، كذلك يوجد لدينا برديات لأشهر الجوامع والكنائس في القاهرة، يعني ذلك أنه لا تقتصر البردية على رسومات الفراعنة فقط، إنما تتعداها لمواضيع أخرى، فمثلاً يأتي زبون يطلب بردية بالحجم المتوسط وعليها كتابات هيروغليفية وذلك لجمالية الخط الهيروغليفي على ورق البردي، أو يطلب رسم صورة شخصية له على البردي وهكذا».

التقنية التي تعتمدها صناعة الورق البردي لا تزال كما هي منذ آلاف السنين ولم يطرأ عليها أي تغيير يذكر، حيث لا يزال المزارعون في قرية القراموص المصرية يحافظون على التقنيات القديمة من خلال تقطيع الساق الى شرائح رفيعة ومحاذاتها بسلك ووضع طبقات أخرى مشابهة فوقها، فيما تفصل بين كل طبقة وأخرى شريحة من القماش ثم توضع هذه الطبقات تحت ضاغط لمدة ساعات لتتشكل الورقة، يتم بعد ذلك غمرها في الماء ثم تترك لتجف أمام الشمس لتصبح جاهزة للكتابة أو الرسم.

ويبدو أن صناعة الورق البردي أخذت تتأثر بالسياحة، فقبل 2011 كان عدد المزارع المنتجة للورق البردي يصل إلى ما يقارب 500 مزرعة، أما اليوم في 2021 وخلال جائحة كورونا فقد وصل إلى 25 مزرعة فقط. ويشكو أهالي القرية من تباطؤ هذه الصناعة رغم النشاط النسبي في قطاع السياحة والذي أخذ بالتعافي بعد الجائحة، ما دفع البعض منهم للجوء إلى أفكار قد تساعدهم على إنقاذ هذه الصناعة كالترويج لها عبر الإنترنت!

ومع بقاء هذه الصناعة التي لم تطَلْها يد التكنولوجيا منذ آلاف السنين حتى اللحظة، سيبقى ورق البردي الوثيقة التاريخية التي نقلت لنا عظمة حضارة وادي النيل قديماً وحديثاً.

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]