الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

السطر الأول في السلوك الإنساني

السطر الأول في السلوك الإنساني
د. سميرة الحوسني باحثة وتربوية - الإمارات

لا يوجد ثمة سلوك إنساني وليد اللحظة، بل إنه مُختزن بداخل الفرد ليخرج تحت وطأة الظروف، ويمتد إلى علماء السلوك ليتم وضعه في صورة مصطلح أو ظاهرة اجتماعية يسلكها الأفراد، أو نزعات وميول واتجاهات بحسب موجة الفكر أو الثقافة المجتمعية هي الأخرى وبالآونة التي يظهر فيها هذا السلوك، ولعل التفسير البسيط جداً للسلوك الإنساني بعيداً عن العلمي والاصطلاحي منه قد يكون «الفعل الإنساني».

لكن الدعوة لهذه الأفعال البشرية الداعمة للإنسانية أصبحت بعض الشيء تتشكل في دعاوى شبيهة بالإقطاعية، من أي ناحية؟ وكيف؟ وما هي الإقطاعية في السلوك الإنساني فيما بعد الحداثة؟ كل هذه الأسئلة و غيرها تتطلب منا عدسة أخرى لمزيد من الفحص و المتابعة للسلوك الدارج عبر القارات، ومتابعة متفحصة أخرى لإعلانات السلوك المستحب والمطلوب للأفعال الإنسانية الطبيعية والتي ليس بالضرورة أن تكون مثالية ولكن من شأنها القدرة على تخفيض نسبة التعصب والضغينة واحتدام الرغبات الإنسانية.


إن عصر الجائحة كان له الأثر في إعادة تشكيل وتنظيم أكثر الأنظمة شيخوخة على مر التاريخ، ألا وهو النظام الاجتماعي، وعلى اختلاف المجتمعات إلا أن القرية الصغيرة التي يعيشها العالم من خلال المجتمعات الرقمية والتكنولوجية والشبكية قاربت بشكل كبير جداً بين الصور المتنوعة لمجتمعات العالم لتُضمنها في إطار مجتمعي ذي نسق ظاهر وجلي في السلوك الإنساني، هذا الإطار المتباين داخلياً و المتقارب ظاهرياً شكّل الصوت والصدى في آنٍ واحد، فعندما تقوم مؤسسة في مجتمع من أقصى شرق الكرة الأرضية بوضع مشاريع مبتكرة تنادي بالتضامن المجتمعي حول مسألة الجائحة على سبيل المثال، نرى في الجهة الأخرى المقابلة من الغرب مشاريع مناصرة للسلوك نفسه من التضامن ولكن بما يتناسب و روح المجتمع المراد بثها فيه.


ولنقف هنا عند «التضامن» كسلوك بشري إنساني قديم قدم الإنسان العاقل، الذي تيقن منذ اكتشافه لأولى التكنولوجيات البشرية، وهي «تكنولوجيا» الطهي وتكنولوجيا الملبس، أنه بحاجة ماسة للتضامن مع من حوله لضمان استخدام الخرقة التي تغطي جسد البشر في كل البقاع، ولضمان توسيع نطاق طهي الطعام للتقليل من الضرر الناجم عن أكل الطعام النيّء.

إن التفكير الأولي الذي حدد كينونة الإنسان العاقل كان التفكير ضمن الجماعة، و كان هو المبدأ الذي حقق للمجتمعات البدائية التكافل المبدئي في أولى خطوات البشرية نحو التكنولوجيا، إن مصطلح «التضامن» لا يفي فقط بوعود بل إنه يرشد و يوجه لمبادئ النُبل الأخرى التي يحتاجها الإنسان الحديث و ما بعده، و الذي يؤكد لنا كذلك أن السلوك الإنساني الصالح للبشرية متوافر دائماً و أبداً على مر العصور و في السطر الأول على ألواح التاريخ البشري، وكل ما يحدهُ فقط هو الأداة المؤثرة أو الأداة المرتبطة بموجة النزعة الاجتماعية التي لا تنفك عن إخوتها من النزعات الأخرى في الاقتصاد والسياسة والأنثروبولوجيا الدرامية والواقعية منها.

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]