الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الدوغماتيّة وفرط الغرور

الدوغماتيّة وفرط الغرور
ليث نالبانديان كاتب عراقي مقيم في فرنسا

الفكر الدوغماتي أو الجزميّة تعود جذوره إلى الحضارة الإغريقيّة، والذي يُشير إلى تبنّي وفرض المُعتقد الأوحد الذي لا جدال معه ولا شك في مضامينه، وفي عالمنا لا يَكاد يَخلو مكان من سلاطين اليقين وعلماء اللادحضيّة.

ظل هذا السلوك الفكري يُلاحقُ الأفراد والجماعات في مختلف العصور، وأصبح ديدن الكثير من المجتمعات والعائلات ومنهجاً تربويّاً خضع للتوريث، ما أسهم في التراجع الحضاري للمجتمعات، وتنامي القصور الفكري لدى الأجيال الخارجة من رحم هذه الدمغيّة.


لقد صبَّ هذا السلوك العقلي مياهه الآسنة في شتّى نواحي الحياة، فها هي الجزميّة تسري في جسد الفلسفة والدين والسياسة والاقتصاد وكل علوم الحياة لتنشر هذا التطرّف الفكري.


من جانب سيكولوجي، يخضع الفرد الدوغمائي إلى عاملَي المعرفة الناقصة والغرور، فنوعيّة المعرفة التي نالها قد تكون معرفة جزئيّة أو قطعيّة تُحتّم عليه ممارسة الجزميّة، أمّا عامل الغرور فهو الجلاد الذي يأبى التراجع والاعتراف بإمكانيّة الرأي الآخر، ويصل إلى مرحلة الإصرار من أجل الإصرار، فتغيب الحجّة وتتهاوى العلل ولا يبقى سوى الأنا وغرورها، فمتى يتعقّل الإنسان لمحدوديّته الفكريّة وأهميّة انفتاحه على الآخر؟

لا شك في صعوبة التعامل مع الدوغماتيّة، إذ تتطلب حذراً شديداً وحكمة كبيرة، ولعل أهم ما يجب سلوكه معها هو أسلوب التبادل المعرفي، وعرض المعرفة البديلة فقط على سبيل التنوّر لا الإقناع، وترك الأمر للزمن وإرادة الإنسان في الخروج من قوقعته، نحو الانفتاح، ومع هذا فقد يكون التجاهل من بين الحلول أحياناً.

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]