السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الرأسمالية التقنية.. الإقطاعية الجديدة

الرأسمالية التقنية.. الإقطاعية الجديدة
عبدالله العولقي كاتب ـ السعودية

يبدو أن «الرأسمالية التقنية» قد أنقذت الرأسمالية بمفهومها الاقتصادي الشامل من الانهيار التام، ففي عام 2008، تعرض العالم إلى انتكاسة مالية كبرى لا تزال بعض آثارها السلبية قائمة حتى الآن. البيئة التقنية المتصاعدة عبر فضاءات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وقواعد البيانات والتجارة الإلكترونية قد فتحت أبواباً من الحلول الناجعة والاستثمارات الضخمة داخل سياق الرأسمالية الأم، فمثلاً شركة ألفابيت (غوغل) وحدها تمتلك قيمة سوقية تتجاوز التريليون دولار، وهذه القيمة الخيالية تفوق اقتصاديات دول بأكملها، كما أن لديها قدرات فائقة للتحكم في قواعد البيانات لملايين الأفراد حول العالم، وتوجيه سلوكياتهم والتحكم بميولهم ورغباتهم، وبهذه المكانة أضحت شركة غوغل تتبوأ قمة الهرم الرأسمالي العالمي.

لا شك أن مجالات البيئة التقنية تعد اليوم إحدى أهم القطاعات الأسرع نمواً في الاقتصاد العالمي، بل إن المعركة التجارية القائمة اليوم بين واشنطن وبكين ترتكز في جوهرها كصراع أساسي على ميادين الفضاء الرقمي، فالصين التي كانت بعيدة عن الأجواء الرأسمالية قد نجحت كثيراً في إعادة ضبط شموليتها الشيوعية بتطعيمها بحزمة لقاحات انفتاحية من الرأسمالية الغربية حتى استطاعت أن تحقق هذه المعجزة التنموية الكبرى.


النهضة التنموية الصناعية التي تحققت في أوروبا والولايات المتحدة بنهاية القرن الـ19 تعود إلى إرادة الإنسان الحضاري بالتخلي عن أنظمة الاقتصاد الإقطاعية والاتجاه نحو الرأسمالية التجارية، لكن يبدو أن العالم اليوم يتجه بإرادته أو بغير إرادته إلى منحنى الاقتصاد الإقطاعي مرة أخرى، فالاحتكارات الرقمية التي تفرضها قطاعات التقنية الكبرى تشبه إلى حد كبير ما كان يحدث في العالم إبان القرون الإقطاعية الماضية.


يقول عالم الاقتصاد الشهير سدريك دوران إن الرأسمالية الرقمية تشبه إلى حد ما الاقتصاد الإقطاعي، فالصلة بين الشركات الرقمية الكبرى كغوغل وتويتر وفيسبوك ومايكروسوفت وأمازون وعلي بابا من جهة، وبين ملايين الأفراد حول العالم من جهة أخرى تشبه إلى حدٍ ما علاقة الأسياد برعاياهم، بالإضافة إلى أن سلوكهم الإنتاجي أقرب إلى فكرة الاستيلاء الإقطاعي منه إلى حرية التنافس الرأسمالي، فالخدمات التي تبيعنا إياها شركات التقنية تتمثل أساساً في إعادة قوتنا المشتركة في شكل معلومات تتكيف مع كل واحد منا، وتناسب ميوله، وبذلك تجعل حياتنا مغلولة إلى خدماتها، على غرار الإقطاعيات التي كانت سائدة في الماضي.

قد تستغني الشعوب والأمم سابقاً عن ضروريات كثيرة في الحياة، بيد أنها اليوم تعجز أن تستغني عن ترف خدمات الإنترنت لأنها حتماً ستعيش خارج أسوار التاريخ، ولهذا تظل إقطاعية الرأسمالية الرقمية أغلالاً لا يمكن لأحد أن يتخلص منها، ونختم الحديث هنا بمقولة للكاتب جويل كوتكين من كتابه (ظهور الإقطاعية الجديدة) بأن العالم اليوم في طور الرجوع للعصور الوسطى، لكن بخريطة طبقية وثقافية جديدة، فالعصر الوسيط الجديد يتولد عبر تطبيقات التقنية الحديثة، وبطبقته الإقطاعية المتحكمة، أي شركات التقنية الحالية، كما يقدم الكاتب حلولاً لهذه الأزمة العالمية بأن الخيار الأمثل هو الرجوع لمنطق سيادة الدولة، وإعادة الاعتبار لها وعدم ترك الساحة لشركات التقنية وإقطاعيتها الجديدة.

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]