الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

نشاز الصوت.. وتأثيره على الآخرين

نشاز الصوت.. وتأثيره على الآخرين

بقلم: ليزا عياش صحفيّة في جريدة ذا ناشونال

سألت نفسي في لحظة فضول:

هل وُلِد كل شخص بصوت جميل؟

ما أثار اهتمامي أثناء بحثي عن الجواب هو تفاوت الآراء فيما يتعلق بالحُكم الفردي على الصوت البشري. فما يبدو جميلاً بالنسبة للبعض يبدو قبيحاً للبعض الآخر.

إن للصوت أثراً كبيراً في نفس المُتَلقّي، سواء كان صوتُ المُرسِلِ حسناً أو قبيحاً. هناك أصوات دافئة وهادئة تخلب الألباب وتأسر القلوب، فمثلما يتغذى العقل على المحتوى يتغذى السمع على الصوت الجميل، في حين أن هناك أصواتاً أخرى ناشزة تخرج بشدّة وفظاظة تسبّب التوتر والانزعاج لتشعرك بالتلوّث الضوضائي.

هناك بعض الحالات التي تثير بعض الآذان. من المؤسف أن للبعض صوت مُنفر ومستفِز يجعلُ المستمعَ يتفادى الانصات إليه.

هل سبق أن تفاديتم متابعة حوار تلفزيوني أو إذاعي بسبب صوتٍ خارج عن حدّ الحسن لمُحاوِر أو ضيف؟

وهل سبق أن امتعضتم من شخصيات مؤثرة تتصنّع بكلامها لإظهار طبقات فوق قدراتها الصوتيّة، أو تأثّرتم بشخصيّات سياسيّة ترفع نبرتها لكسب الشحن العاطفي لرجل الشارع البسيط؟

وهل سبق أن هَدَمتم علاقة مع شخص ما بسبب صوته المُنْفِر؟

وكم من مرة اضطَرَبتْ علاقتكم مع آبائكم وأبنائكم وأزواجكم وأصدقائكم وأقاربكم وغيرهم بسبب أصواتهم العالية؟

هناك الكثير من العوامل التي تؤثر على نوعية الصوت مثل التربية والشخصية والتنشئة الاجتماعية، كما أن التكوين الفيسيولوجي عامل مهم أيضاً، فمن الطبيعي أن يكون صوت الرجل خشناً وقوياً وجهورياً بينما صوت المرأة هادئ وناعم.

بيد أن هناك مواقفاً تستدعي من كلا الجنسين رفع حدّة نبرة أصواتهم، ولطالما حدث ذلك بشكل مخيف عند استخدام الصوت العالي كوسيلة دفاعيّة عند الشِجار مثلاً، أو عند إلقاء خطاب أو حوار ساخن، ولكن سرعان ما يعود الصوت إلى طبيعته بعد ذلك مهما كان نوعه، ما يشير إلى أن الإنسان بمقدوره أن يتحكم في صوته إن أراد ذلك.

لقد أثبت العلم الحديث أن لكل إنسان صوته الخاص، يحدِّد هويتَه تماماً كبصمة الإصبع. يٌقال إن صاحب هذا الاكتشاف هو العالِم الأمريكي لورانس كيرستا الذي توصل إلى أن لكل إنسان نبرة صوتية تميزه عن باقي البشر.

وردّاً على طالبِي الحل لمعالجة صوتهم السيئ، قال المعلّق الصوتي خالد النجّار: "المشكلة تكمن في عدم حبهم لأصواتهم، لمَ لا نحب الصوت الذي وضعه الله فينا؟ فالله أحسنَ خلقنا، لا بد أن صوتك هو الأنسب لك ولشكلك ولطبيعتك وحتى لمحيطك، ولو كان الصوت الذي تحبه أو تودّه هو صوتك أنت، لكان غير مناسبٍ لهويتك وشخصك. هناك أصوات طبيعية تبدو خشنة ومزعجة وممزقة للأوتار وقد يكون السبب خدوش في الأوتار الصوتية أو سوء استخدام الصوت منذ الصغر أو حالة نفسية يمر بها الشخص ولعشرات الأسباب الأخرى. المشكلة هنا فيزيائية تستدعي تدخّل الطبيب. أما الفئة الثانية من الناس فهم الذين يمتلكون صوتاً عادياً جداً وخالياً من الخدوش أو من أي علّة في النطق لكنهم يتكلّمون بأسلوب مملّ وبطيء أو بشكل صراخ يجعل المستمع لا يستطيع متابعتهم، هنا لا بد من التدريب الصوتي."

هناك مشكلة أخرى تكمن اليوم عند بعض المذيعين ألا وهي النطق المدمّج أو خلط اللغة العربية بلكنات أجنبية ما يثير سخط شريحة واسعة من المستمِعين.

تطرّق المعلق الصوتي أحمد فاخوري لهذه المشكلة قائلاً:

"من مظاهر حب اللغة العربية الحرص على استخدامها بالشكل الصحيح وإخراج الحروف من مخارجها السليمة، فالذال ليست زاياً ولا الضاد ظاءً، والابتعاد عن الكلمات والعبارات الموغلة في العاميّة التي لا يمكن فهمها خارج نطاق جغرافي محدود. لا يجب خلط اللغة العربية بلكنات أجنبية حتى إن كان المرء يجيد اللغات الأجنبية، فلكل لغة خصوصيتها ومكانتها."

عند سؤال المعلّق الصوتي فؤاد شمص إن كانت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تواجه صعوبة في إيجاد مقدّمي برامج يتحلّون بكل الصفات المطلوبة كالمظهر اللائق والشخصية المميزة والرصيد الثقافي والأداء والصوت الحسن، أجابني:

"بالفعل، إن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تواجه صعوبة في قبول الشخص المناسب في المكان المناسب. طبعاً، فإن الوساطات والمحسوبيات والاستنسابية في الاختيار هي الطاغية، لذا نرى أن الشخصية المميزة تُستبدَل بالشخصية المتزعزعة، والرصيد الثقافي بالرصيد المالي، أما الأداء والصوت المثاليان فحدّثي عنه بلا حرج، من مياعة في الأداء ولفظ مخارج الحروف بشكل نافر وأخطاء لغوية فظيعة إلخ. آخر همُّهم هو الصوت. يا للأسف، فإن الإعلام المرئي والمسموع ينحدر يوماً بعد يوم بسبب سوء الاختيار. لكن من حسن الحظ أن الانحدار ليس سريعاً بفضل بعض مقدّمي البرامج من نساء ورجال يرفعون المستوى إلى حيث يجب أن يكون."

لا تتكلّف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه.

فهل هناك إمكانية لتطوير الصوت البشري وجعله أكثر جاذبية؟ وهل من الممكن أن يتحوّل صوت أي إنسان من صوت غير جميل إلى صوت يأسر القلوب؟

راودني هذا السؤال مراراً إلى أن وجدت مفاداً قد لا يروق للبعض عند مدرّب المقامات الشرقية علي سعد الزركاني. فكان جوابه:

" كلا، لا يتمتع كل إنسان بصوت جميل. فهناك من يمتلك الصوت الحسن وهذا هبة من الله. إذا توفر الصوت الحسن عند الإنسان يستطيع أن يطوّره من خلال تمارين الصوت والغذاء السليم لما لهما من تأثير مباشر على الحبال الصوتية."

هناك إرشادات شتى للتدريب الصوتي على الإنترنت، والأجدى ألا يحاول المرء أن يتدرّب على طبقات صوت فوق قدراته لئلا يشعر بالإحباط.

قد لا تزال عزيزي القارئ تتساءل لماذا تبدو بعض الأصوات جميلة بالنسبة للبعض وغير جميلة بالنسبة للبعض الآخر.

يعتمد هذا الأمر في الأساس على تصوّر ورأي المُستمِع، فليست كل القلوب تتألم أثناء الاستماع إلى لحن مذهل كما أننا لا نُفْتَن جميعاً بالشمس المشرقة.

في كل الأحوال مدح الله سبحانه وتعالى الصوت الحسن في الآية الكريمة: "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ" ﴿سورة لقمان – الآية 19﴾.. فلا تتكلّف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه.