الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الحقيقة المطلقة.. وامتلاك المفاتيح

الحقيقة المطلقة.. وامتلاك المفاتيح
بقلم: كمال أحمد كاتب وباحث ـ سوريا

بتمحيص مخرجات ونتائج مؤتمرات وندوات الحوار بين الأديان عالمياً (الحوار الإسلامي ـ المسيحي)، أو بين المذاهب (الحوار السني ـ الشيعي) سواء للتقريب بينها أو لإرساء السلم الاجتماعي، تبدو متواضعة، بل إنها لم تحقق التأثير والأهداف المتوخاة، وهذا يعود إلى أحد أهم المعوقات الأساسية، وهو بنيوية المعتقد الديني، المرتبط بمفهوم ومصطلح (الحقيقة المطلقة).

تلك الحقيقة تعتبر من التابوهات المقدسة، والمنزهة والمعصومة عن النقد والنقاش حولها، أي أن المعرفة البشرية، والأفكار، والمعتقدات، عندما تتحول من دائرة، الحقيقة النسبية، أي القابلة للتفنيد وتمحيص براهينها، ويقينيتها من عدمها، كما يقول الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) إلى دائرة المطلقات، يصبح مريدو ومعتنقو هذه العقيدة، متعصبين لها، ويفدونها بكل ما يملكون، حتى دماؤهم، للدفاع عنها.


لذلك ترى المحاورين من ممثلي الأديان والمذاهب في المؤتمرات يحاول كل منهم، إظهار الوجه البهي لمعتقده (تصريحاً) وإلباسه ثوب الفرقة الناجية الوحيدة، ويلجأ إلى (التلميح والمواربة بين السطور)، ويهمز ويلمز إلى هنات وضعف العقائد الأخرى، ليعود بعد جلسات المؤتمر إلى حاضنته العقائدية، ليتمترس فيها دون شعوره بالحاجة إلى نقد معتقده، أومراجعة سلوكه تجاه المعتقد الآخر، وإن أراد أحد من هؤلاء النقد أو المراجعة، فلن يستطيع، لأن السطوة لا تزال محتكرة من السدنة المغالين والمتعصبين.


إن التسليم بالحقيقة المطلقة أدى إلى نشوء نزعة التعصب الديني لدى أتباع الديانات، كل لدينه، والادعاء بامتلاكه مفاتيح (الجحيم والنعيم)، ولدى العودة إلى صفحات التاريخ نجد أن كثيراً من الحروب جرت معاركها، تحت راية الأديان، وإن كانت غاياتها وأهدافها الكامنة هي سياسية، أي الاستحواذ والاستيلاء على السلطة والثروة، ولا يتسع المقام هنا لسرد تلك الحروب وضحاياها.