الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ممنوع من الحياة بأمر البنك

ممنوع من الحياة بأمر البنك
بقلم: سرور خليفة الكعبي كاتب وباحث ــ الإمارات

عندما التقيته بعد سنين طويلة.. لم يكن متغيرا كثيرا عدا الشحوب والضعف والاصفرار.. لم يكن مستغربا استسلامه لغزو الشيب لكل شعرة في رأسه.. فقد تعدينا جميعنا الخمسين بقليل.. ولكنه كان أكثر بكثير مما يجب أن يكون.

كانت فرحتي كبيرة بالتقاء أحد أصدقاء الطفولة بعد هذا العمر الطويل.. تزاحمت الأسئلة في رأسي، ولكن صمته وإبتسامته الباهته واستسلامه لي وأنا أحثه على الجلوس في إحدى زوايا المقهى القريب.. جعلتني أكثر إصرارا لمعرفة المزيد.


لم يكن هو ذلك الذي نشأت معه ودرجت.. شخص مختلف تماما عما يمكن أن تصفه الكلمات.. أخبرته بكل ما جرى لي وتنقلاتي من وظيفة إلى أخرى.


كان تعليقه الساخر الوحيد: يبدو أنهم كانوا على حق عندما قالوا (بوطبيع ما ايوز عن طبعه).. مشكلجي وراسك يابس ولا تسمع الكلام ولا تحب الإنقياد.. ما ينفع فيك حتى (الضرب اللي أنضربناه كلنا بسببك).. اكتفيت بالضحك والتعليق الساخر: الجمرة لا توضع تحت الإبط.

لم يسترسل في وصف نفسه كثيراً.. ولكن إقتضاب حديثه عن خسارته كل حياته وقضائها في الوفاء بديونه للبنك، الذي على حسب تعبيره ( استعبدني طوال شبابي ولم يرحمني في مشيبي) كان كافيا.. قرضه تقريبا يفوق نصف عمره ولم يقض عنه.. أدخله في مشاكل عنقوديه اضطر معها أن يبيع كل ما يملك وما وهبته الحكومة ليتجنب السجن بسبب الديون، وانتهى وحيدا بلا أسرة أو أولاد.. السيارة حجزت بسبب المخالفات رخصته انتهت ولن يجددهها.. جوازه محجوز وهو مطلوب للمحكمة بسبب تعميم البنك عليه.

قال وهو يودعني: أنا يا صديقي القديم.. ممنوع من الحياة بأمر البنك.