الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

طفولة سارتر.. وبذور الأفكار الأولى

طفولة سارتر.. وبذور الأفكار الأولى

الساحة (4)

بقلم: د. محمد سعيد حسب النبي أستاذ جامعي - مصر

في كتابه «الكلمات» يحكي لنا الروائي والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر قصة اكتشافه للكلمة واللغة وعالم الأدب، فقد شهدت طفولته مولد الوجود اللغوي له، من خلال مئات الكتب التي مثلت دنياه، بكل ما فيها من مُثل عليا وقيم أصيلة.

كما تضمنت طفولته شعوراً واضحاً وهو شعور الغربة في هذا العالم، وقد كانت فلسفته محاولة لا تنتهي لعقد صداقة مع العالم الذي يعيش فيه، ولعل شعور الغربة الذي تولد لدى سارتر كان نتيجة اليُتم؛ فقد مات أبوه وهو في الثانية من عمره، لتتزوج أمه من آخر، فينتقل إلى بيت جده، وبالتالي لم يجد سارتر والده، وعندما انتقل إلى جده لم يجده، وإنما وجد مربية ألمانية، ولم يجد لعب الأطفال، وإنما وجد كتباً كثيرة، تعرض لأشخاص ومعاني مثلت بذور أفكاره الأولى في حياته، كما ولّدت لديه قدرة الكتابة، فكتب مئات الصفحات وهو في الثامنة من عمره، وكتب قصصاً قصيرة، والجميل أنه نقد أعماله بنفسه وهو دون العاشرة.


وكل هذا وسط شعور الغربة والعزلة ليستغرقه عالم الكتب، فيدخل عالم الكبار ويكتشف قدرته على التخيل والإبداع، كما اكتشف حريته في اختيار القيم التي تعجبه، وأدرك أن اختياره يعني أن يكون مسؤولاً عن نتائج هذا الاختيار، وبهذا فقد اختار سارتر الحرية، والحرية ثقيلة، والمسؤولية عبء يجب أن يتحمله.


ولسارتر في غربته فلسفة تقضي بأن العالم الذي نعيشه غريب عنا ونحن غرباء عنه، والأشياء من حولنا ليس لها معنى، وإنما نحن من نعطيها المعنى، ونختار لها الطعم واللون والوزن والضرورة.. إن طفولة سارتر بداية لخيوط حريرية نسجت حياته، وحياته كلماته التي ملأ بها الدنيا، فصارت عزاء لكل مغترب نفسي فيها.