الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

غيوم الحب.. أتحمِل خيراً؟

غيوم الحب.. أتحمِل خيراً؟

PSX_20200211_211207 غيوم الحب

لبقم: منى صالح النوفلي كاتبة وقاصّة - الإمارات

أتت نسمات شهر نوفمبر العليلة معلنة عن بدء تقلبات الجو، ليس جو السماء فقط بل أجواء حياة «أماني» الفتاة الثلاثينية التي تجول بالقاعة لتضع لمساتها الأخيرة لاحتفال المؤسسة السنوي غداً صباحاً.

أثناء تركيزها على ضبط شاشة العرض، سمعت صوتاً خلفها يقول:


- أما قلت لك إنها هنا حتى الآن؟


التفتت خلفها، فإذا هو مدير الإدارة.. نظرت لساعة الحائط قائلة:

- الوقت يمر بسرعة، من يصدق أني بدأت صباحي هنا حتى الساعة السابعة مساء.

خاطبها المدير:

- أعرّفك بمسؤول قسمك الجديد.. عبدالعزيز، التحق بنا اليوم، وأصر على أن يباشر معك.

ابتسمت، ولكن عينيها ظلتا تراقبان العمال بالقاعة.. لاحظ عبدالعزيز قلقها، فقال مازحاً:

- لا نحتاج لنعرف ماذا جهزت، أرى كل شيء من انعكاس عينيها.

ضحك المدير، غير أن مزاح عبدالعزيز استفزها، فردت:

- بل سترى الانعكاس في انطباع الحضور.

حجب توتر أماني إدراكها لروح عبدالعزيز المرحة، وقد عرف عنه أيضاً أنه محبوب من الناس.

في الأيام التالية توالت النجاحات في القسم، وشهدت المؤسسة ارتباط اسمي أماني وعبدالعزيز في تحقيق الإنجازات، فسرعان ما خيب حبهما للعمل وترابط أفكارهما ذلك الانطباع الذي بُني على سوء فهم، وتوقيت خاطئ.

دفع القدر لتقارب لاإرادي بينهما، فقد صار اهتمام عبدالعزيز واضحاً في حديثه المطول عنها مع أهله وأصدقائه.. تخطف بصره عندما تكون معه في المكان نفسه وإن ابتعدت يراقب خطواتها، مختلساً النظر لتفاصيل جسدها.. يختلق أعمالاً معها، ويفضحه حبه بغيرته من كل رجل غريب يقترب منها.

لكن ما حال أماني؟

هي لا تقل عنه شوقاً وقرباً وغيرة، بل تراه طفلاً كبيراً يجبرها على الاهتمام والخوف عليه.

كل تلك المشاعر بينهما دون أن يهمس أحد منهما للآخر بكلمة «أحبك».

جاءت تلك اللحظة المميتة بين كل حبيبين، وصل عبدالعزيز لاجتماع القسم مع الموظفين متأخراً.. أخذ مقعده المواجه لأماني، نظرت إليه، جرحت ملامح عبدالعزيز الحزينة قلبها، وما إن انصرف الموظفون، حتى أسكن التقاء نظريهما يقين الحب المتربع على عرش قلبيهما، فأنطق حديث روحها:

- أشعر بك دون أن تتكلم

أجابها:

- ابقي بجانبي، أنا أحتاج إليك.. ألا تخافين من أن أسحرك بوسامتي؟.. هيا لنكمل عملنا.

انتهى اليوم باتصال من عبدالعزيز لأماني بعد مغادرته العمل، يطلب منها أن تحضر بمكتب شركته في المساء.

في المساء جلس الاثنان في شرفة المكتب، حيث لا تزال ملامح الحزن ترافق عبدالعزيز منذ الصباح.. تجرأت أماني وسألته:

- ما الذي يحزنك؟

- مشكلة عائلية.. أجابها.

سألته مرة أخرى:

- ألا تثق بي؟

ـ أنتِ أقرب مني إلي.

ابتسمت، فأكمل:

ـ أحد أفراد أسرتي أثار مشكلة بيني وبين والدتي.. اتهمني بأن لي علاقة مع إحدى الفتيات، وقد أخبرتك مسبقاً بأني كانت لي أخطائي قبل عشر سنوات، وسبّبت لي مشكلات مع أسرتي ولكني تبت.

علقت أماني:

- أنتَ في الأربعين، وإن كنتَ لا تزال مستمراً في الخطأ، فبالتأكيد تحتاج لرعاية والدتك.

ضحك عبدالعزيز، ثم قال:

- رأيك في يهمني.

ردت أماني:

- في هذا الشهر نفسه منذ عام، كان أول انطباع لي عنك لا يدل على أني سأكون معك هنا.

ابتسم، وقال:

أنت جزء مني، ولكن هناك قطعة مني لا تبارك ارتباطنا.

سألته متفاجئة:

- والدتك؟

- نعم هي تظن.. قاطعته:

- أرجوك لا تكمل، حديثك قد يجرحني.

طأطأ رأسه، فأكملت:

- إن فارقتك فهو تأكيد على الاتهام، وإن بقيت ستزداد إهانة أهلك لي.

نظر إليها وعيناه تختنقان بالدموع، ثم قال:

ــ لأجلي.. ماذا تفعلين؟

قالت بنبرة ألم:

- لأجلك قلبي كبش فداء.

مسحت دموعها، وقالت:

- انظر إلى السماء اكتظت بالغيوم.. نحن لا نعرف إن كانت ستهب عاصفة أم غيث، ولكننا عندما نراها نأمل أنها تحمل خيراً.