الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

لا يدوم إلا الحب

لا يدوم إلا الحب
بقلم: د. معراج أحمد الندوي أستاذ اللغة العربية جامعة عالية كولكاتا ـــ الهند

الحب كلمة من حرفين ولكن في هذين الحرفين تكمن كل معاني الحياة والكون والإنسان، وفي هذين الحرفين معانٍ عميقة تُعرف في كل زهرة، ويدركها كل لون، وفيهما يشعر بلذة كبيرة، لا يعرفها إلا من أتقن معاني الأحلام.

والحب كلمة من نور خطّتها يد من نور على صفحة من نور، فالكلمة الطيبة ليس لها أثر واقع على النفوس فقط، بل تجعل البعد أقرب في المودة والمحبة.


وللحب معانٍ عظيمة وتعاريف عديدة، ولكنها تختلف من إنسان لآخر، ولذلك ستظل معانيه مختلفة بين البشر، كما أنه ذلك الشعور الخفي الذي يتجول في كل مكان، ويطوف الدنيا بحثاً عن فرصته المنتظرة ليداعب الإحساس، ويسحر العيون، ويمتلك الروح والوجدان، ويسيطر على كيان الإنسان.


والحب هو ذلك الشعور الذي يمتلك الإنسان في داخله ويطوف به العالم، حيث يشاء بأفراحه وأحزانه، يجول في كل مكان، حتى إنه يمشي فوق زبد البحر دون أن يغوص في أعماقه.

الحب كتلة من الأحاسيس والمشاعر، لا يستطيع أن يتحكم فيها أحد، لذلك فهو شيء عظيم لأن الشخص بدون القلب يخسر إنسانيته، والذي لا يعرف الحب ليس إنساناً، والذي لا يشعر بجوع الآخر ليس إنساناً، والذي لا ينشد الحرية له ولغيره ليس إنساناً. إن عاطفة الحب هي التي تعطي الإنسان معنى إنسانيّته، لأن الإنسان من دون حب صخرة صمّاء.

والحب فيض من الأسرار، وسيل من السحر، فهو رحمة وحنان، فهو لطف ومشاعر، وهو إحساس عميق وشعور باطني، يسكن في القلوب، ويقطن في الأفئدة، يغذي والوجدان، ويضيء العاطفة، ويكشف أغوار خطوات اليوم وآفاق تطلعات الغد.

هذا هو الحب الذي يدخل بين الطين والماء والحجارة والآجر، فيجعل منها آثاراً خالدة وتحفة فنية كمسجد قرطبة وقصر الزهراء والتاج محل، وما من أثر من الآثار الباقية في الأدب والفن والتأليف والبطولة إلا ووراءه عاطفة قوية من الحب.

الحب يخلق المعاني البديعة، والبطولة الفائقة، والشخصية الفذة، والعبقرية النادرة، إليه يرجع الفضل في غالب عجائب الإنسانية، ومعظم الآثار الخالدة في التاريخ.

يلعب الحب في الإبداع الإنساني والمعرفة كوجه من وجوه فطرة الإنسان، إذ إن الحب جزء محرّك للفعل والحيوية، فلا يعقل أن تنظَّم العلاقات الإنسانية والاجتماعية من دون الحب. وهو رحلة الإنسان والحياة باعتباره الكائن الأقرب إلى مشاعر الأفراد ومطالبهم وآمالهم.

إن المعجزات الفنية لا تعيش إلا بالحب، ولا تقوم إلا على العاطفة والإخلاص، والحب هو الذي يفرق بين قطعة من حجر، وقلب خفاق حنون للبشر، فإذا فاضت منه قطرة على الحجارة الصماء عاشت، وإذا تجردت منه القلوب الإنسانية جمدت وماتت.

الحب هو سر الخلود والبقاء للآداب والأفكار والإنتاج، فلا بد أن يعيش العقل والعلم في حضانة الحب وإشرافه وتوجيهه، لا بد أن تسند الدين وتغذيه عاطفة قوية، فإذا تجرد الدين عن العاطفة والحب أصبح مجموعة من طقوس وتقاليد، وأوضاع وأحكام، لا حياة فيها ولا روح، لا حماسة فيها ولا قوة.

إن الحب هو محصول الحياة ولب اللباب، وقد أجاد القائل الذي يقول: نظرت في هذا العالم، فإذا هو بيدر واسع، ونظرت فيه فإذا «الحب» هو الحب الوحيد، وكل ما عداه فهو تبن وحشيش، وهشيم وحصيد. فالحب هو مصدر الانقلاب في التاريخ ومطلع فجر السعادة في العالم، وأنه لم يزل ولا يزال رائد الانقلاب، ورسول الحياة وهو أصل الحياة الذي حرم الله عليه الموت.

الحب من كلمتين، والله سبحانه وتعالى خلق هذه الدنيا من حرفين «كن»، وبها يكون الكون من أوله وآخره، من ذراته إلى مجراته.