الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

لكي نفهم مـــا ليس حبّا

لكي نفهم مـــا ليس حبّا
بقلم: نوال يتيم كاتبة ـ الإمارات

لكي تفهم ما هو الحب يجب أن تفهم ما ليس حباً، وبالتالي في نفي ما ليس حباً يوجد الحب، فمجرد قراءة الكتب وتأليف القصائد والأشعار عنه هو أمر صبياني ليس له أي فائدة، ما هو الحب اذن: هل هو الكلمة أو الرمز؟ لا أعتقد.

فكلمة حب لا تجلب الحب مطلقا، وقد أصبحت مقدسة أكثر من الحب ذاته، فقام الإنسان باستعمالها بشكل سيء، فألّف الكتب عنها، وكدسها ووضعها في أسلوب اللغة الجميل واستظهرها في أفعاله وأسلوبه وعلاقاته وأحاديثه ولغته، لكن الكلمة هي مجرد كلمة، وتبقى ميتة مهما كانت بليغة، فالكلمة ليست الشيء.. فهل الحب شعور وعاطفة؟.


إن الشعور يكون مرهونا بالفكر وبدوره بالذاكرة المرتبطة بالزمن، وهو يعمل وفق آلية الاستجابة للذاكرة وليس وليد الحاضر، فعندما يقوم الفكر برصد الحب كشعور تأتي عملية تعريفه ولو بعد ثانية، وفقاً للذاكرة التي هي مقر المعلوم والوصف ليصبح بدوره الحب شيئا من الماضي.


والعاطفة مجرد إحساس كوسيلة تعبيرية عن الذات، ناهيك على أن الشخص العاطفي يفقد محبته إذا لم تتم الاستجابة لعواطفه ولتصوره، وحين لا يجد مخرجا لعواطفه تلك يتحول من اللين إلى القسوة.

أما في الحب فليس ثمَّة تحول ولا توقع استجابة بناء عليه يتم التحول، وما من تعبير ولا وصف ولا انقسام بين فعل وفاعل، وواصف وموصوف من دون تسمية محددة لمشاعر ولا تدخل للزمن.

فعندما لا يتعرف المرء على فكرة يكون ثمة صمت تجاهها، وهذا الصمت ليس صمتاً مستجلباً أو مقروناً بدافع بل يأتي من تلقاء ذاته بغياب الزمن.

أما عندما نقوم بتسمية الحب، فإن الزمن ينشأ وتتشكل المسافة، وفي الحب ما من مسافة.. فهل الحب منهج حياة كما يشاع ؟

إن المناهج تجعل الذهن مبرمجا وفق صيغة، فيغدو مقلدا، ويقوم بتكرار الكلمات شأنه شأن الآلة حتى تصبح كلمة "الحب" مجترة، وإن التكرار لا يجلب للذهن إلا البلادة.

والواقع أنك عندما لا تكافح لحصر الحب في تعريف وزاوية بل تعيشه وفقط، ولا تسمح لذهنك بالمقارنة والبحث عن نقائض له ستمتليء به، لأن النقيض يولد الصراع بين ما أنت عليه وما تريد أن تكونه وما تود أن تضيفه.

وعليه، فالحب لا نقيض له، ولا يمكن حصره في ماهية محددة، بل هو نفي لمفاهيم وتصورات، وعليك أن تكون حرا لتفهمه، فارغ الذهن من التصنيفات والمسافات.

فالحب إذن، هو نفي للغيرة والحسد والبغضاء والحقد.. هو ليس هروباً من شيء، وليس سلعة يجب أن تشتريها أو تقدمها، وليس شيئاً أو هدفا يجب أن تصل إليه، وليس شعوراً يرتبط بأناك، وليس شيئا خاضعا للزمن أو صورة عليك تحميضها لتصبح أنقى فهو "هكذا وجد مع الخلق بلا شوائب ولا أطر".

كما أن ليس شيئاً يجب أن يعرّف، ففي التعريف إفراغ له من محتواه وفراغ منه، وهو أيضا ليس موضوعا يجب أن تناقشه أو تستعرضه، ولا أن تقبل به أو ترفضه، أو تحمي نفسك منه، وليس أمرا تلخصه في فكرة جيدة ومقبولة وتوافق عليها، ثم تتساءل: كيف يجب أن تفعل حيالها، وتطلب من أحدهم إخبارك وتوجيهك.

ففي الحب ما من:" كيف، ولا أين، ولا متى؟".

إن كنت حراً من الصور والأفكار المسبقة والتعاريف، ورأيت بوضوح ما ليس حباً وأدركته، فإنه سيتفكك من تلقاء ذاته، ويصبح الحب موجوداً ببساطة.. وستعيشه بشكل تلقائي جدا، حينئذ تحل مشكلاتك مع الحياة، وتشعر بالسعادة، وتمنحها الآخرين.