السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

لا مجال للخيبة في الحب

لا مجال للخيبة في الحب
بقلم: نوال يتيم كاتبة وشاعرة ـ الإمارات

حين تتشوش الأمور من حولنا ننشد معنى أكثر امتلاء، ونفكر بشيء أكثر تلبية للشغف الذي نشعر به تجاه الحياة، فترانا نسعى للبحث عمن يحقق ذلك الشعور معنا أو لنا، ونستمر في رسم دروب لإقناع العقل بأننا نسير وفق خطة محكمة، ويتواصل تلاعبنا بمجالنا الفكري بدعوى بلوغ درجة الاستنارة الكبرى، ونستمر بالخضوع لتلك الفكرة، ونتخوف إذا لم تتحقق ونحن بالأساس من صنعها وخضع لها.. إننا نضع ذواتنا في عملية تناقضية صعبة جداً، ونطلب منها تحقيق ما خلقه خيالنا زعماً منا بأن ذلك يمنحنا معنى.

إن هدف سعينا وبناء علاقات مع الآخرين هو: أن نكون سعداء وأن نعثر على الراحة، بينما ما نفعله بأنفسنا هو مجرد هروب من واقع معلوم إلى شيء خيالي، ننشغل به عن حقيقة الأشياء المعلومة كمن لا يكتفي بما يرى من دلائل فقط إرضاء لرغبة اكتشاف السر المخبوء وراء الظواهر.


لذلك نحن نحبط حين تفشل علاقاتنا في الحب التي لا نراها تفهمنا بشكل كامل، ونفضل الهرب من أنفسنا وننشد هدفاً بعيداً جداً لعلاقاتنا، ونغفل عن أن العلاقة بحد ذاتها مكافأة وهدف ولسنا مضطرين للبحث عن شيء هو بالأساس ممزوج في تركيبتنا، وتقوم عليه طبيعتنا كمخلوق لا يمكن أن يستمر في النمو بشكل سليم إلا بفهمه لذاته.


حقيقة لا يمكن التفكير بالحب ولا يمكن تربيته، ولا يمكن ممارسته بشكل معين، فالحب كالأخوّة، كالأمومة، كالأبوة، كعلاقتنا الخفية بأنفسنا، هو ليس نتيجة العلاقة بل هو العلاقة ذاتها.. ولا تزال داخل الذهن تلك الفكرة صورة مشوشة، لذلك نحن نندم إذا قدمنا شيئاً ما في علاقاتنا ولم نأخذ بالمقابل ما يساوي في منظورنا نفس قيمة ما منحناه.

الخيبة تولد من الخوف، ومن الفقد القائم على رغبة الحصول على شكل معين، والسير وفق نموذج محدد.

وحين نطلب طريقة معينة في علاقاتنا، فإن هذا بحد ذاته سيكون مصدراً للخوف، وبالتالي الخيبة، فالصعوبة التي تواجهنا ليست الحياة ولا الحب، بل وضعنا لها في إطار محدد، ولن ننجو إلا إذا كسرنا ذلك الإطار بلا فعل واعٍ من دون تصميم إطار أكبر منه.. ولن يحدث ذلك إلا بالحب.

أذهاننا مليئة بالتقنيات والكلمات الخرافية والتصورات الغريبة، التي ملأت أنفسنا برغبة البحث، ما يخلق لدينا الأسى إن لم نحصل عليها ونندم لاتباعنا السبل التي لم تؤد إليها، فيما نعلم جيداً أنه لا مجال للندم ولا وجود للخوف ولا للأسى من تلقاء نفسه منفصلاً عنا، فنحن لا نرصد المعاناة بل نحن المعاناة ذاتها، طالما أنها تملؤنا شعوراً غير مريح فهي ليست منفصلة عنا، فنحن نعيش من كلمة إلى كلمة، ومن شعور إلى شعور، ولم نقف يوماً مع ذواتنا بحثاً عن مركزنا، الذي يتحكم في شعورنا بالألم أو بالأسى أو الحزن أو المعاناة.

الواضح أننا لم نفهم جيداً كيف نؤسس علاقاتنا من خلال مراكز ذواتنا لهذا تبقى المشكلة قائمة، فأن تكون لدينا القدرة على ملاقاة الجديد في هذه الحياة كل لحظة من غير رد فعل مشروط، وغير متعلق بتصوراتنا كضرورة وبالأطر التي نرسمها للأشياء، وبعيداً عن الآثار التراكمية من تجارب سابقة، تقف حاجزاً بين النفس والموجودات كيفما كانت دون معتقدات مسبقة ودون إعطاء أي معيار قيمي أو تفاضلي للأمور أو الأشخاص، سيجعلنا ندرك أنه لا مجال للخيبة طالما أنه ليس لديك علاقة مع شيء خارج عنك... وإلا فأنت مجرد راصد للوجع والخيبة والأسى، ولا يمكن أن يكون الراصد للشيء كالشيء ذاته.

للنشر والمساهمة في قسم الساحة: [email protected]