الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

هاجس «اللامفكر فيه».. وطريق التنوير

هاجس «اللامفكر فيه».. وطريق التنوير
محمد عبدالرحيم العمادي كاتب وشاعر ـ الإمارات

سيكون مرتكز الدخول إلى موضوع المقال هو قول الله تعالى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} ـ [سورة هود ـ الآية: 118-119].

بعيداً عما قيل في تفسير هاتين الآيتين من العلماء، فإن معناهما ظاهر وغير ملتبس، وهو أن الاختلاف إرادة إلهية، وسنة كونية، وبمقتضى الحال طبيعة إنسانية، بسببها تطور العرق البشري ليصل إلى ما وصل إليه الآن.


من هذه التوطئة، نقول: إنه من خلال قنوات الملاحظة والرصد نجد أن مستوى الوعي في التعامل مع القضايا الدينية عند جموع غفيرة من المسلمين أينما كانوا، وعلى اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم، ومراعاة لبعض الفروق الناتجة عن عوامل اجتماعية واقتصادية وديموغرافية، فهؤلاء الجموع يطلق عليهم في عرف أهل الفقه اسم «العامة أو المقلدة»، وعند الفلاسفة يسمون «الدهماء».


ومرجع ذلك وسببه، أن الوعي بالقضايا الدينية لدى أولئك الجموع يقارب الصفر الرياضي، ناهيك عن القضايا المنطقية والعلمية التي لا يلقون لها عظيم بال إلا بالقدر الذي تعاملوا فيه مع قضايا دينهم، وبالآليات ذاتها من الوعي والتعاطي الاستهلاكي إن جاز الوصف.

أولئك في واقعهم وحياتهم يعيشون في عالم خلقوه لأنفسهم ليرضوا غرور تقاعسهم المعرفي.. إنهم في مجملهم شعوب تجيد ممارسة فنون من المغالطات المنطقية، كمغالطة المصادرة على المطلوب، ومغالطة الحجة الدائرية، وبطبيعة الحال من دون إدراك منهم لهذه الممارسات.. شعوب أدمنت الاستهلاك بكل صوره وأشكاله، ولُقِّحت بمضادات الإنتاج الشرائي والمعرفي حتى أصبحت غير قادرة على الإنتاج والمعرفة.. مُسْتقبلات الفهم لديها معطلة لديها حتى على مستوى ما تؤمن به وتعتقدُه وتؤديه من شعائر وطقوس.

من ناحية أخرى، هي لا تريد أن تتعلَّم إلا وفقاً لمزاجها المتناقض، بل هي لا تريد أن تسمع لأي رأي خلاف الذي تم تلقينها إياه ضمن منظومتها المعرفية المغلقة عبر عقود، حين كان فضاء الإنترنت والمعلومات بزره السحري غائباً ومجهولاً، وبالرغم من قيام الثورة الرقمية ـ التي زلزلت أرجاء هذا الكوكب ــ لا تزال تخشى وترتعب من سماع الآراء الأخرى حتى وإن كانت من المنبع الأصلي التي تستقي منه ذاته.

إصرارها الداخلي مستمر على أن يحيا على وهم الاطمئنان الذي رضعه في طفولته المبكرة، وشكَّل لديه يقيناً راسخاً بامتلاك الحقيقة المطلقة.. ذلك اليقين، الذي تكون في اللاشعور الزائف في وعيه الجمعي.

إنها شعوب كُبِّلت بهذه القيود وغُذّيت بهذه الثقافة والأنماط من التفكير، وآن لها اليوم أن تتحرر، وتمارس دورها التنويري في فهم معنى الاختلاف والتعايش مع الآخر، بدون أن تكون النفوس مُشبَّعة بآفات مرضية تحتاج لعلاجات لم تُخترع حتى الآن.

ولكي تبرأ هذه النفوس من أدوائها ينبغي أن تكون بداية العلاج وإعادة التأهيل في كسر حاجز الخوف من السؤال، والبحث وتجاوز «اللامفكر فيه»، وأيضاً عدم القلق من النظر والاستماع إلى ما يقوله ويطرحه الآخر المختلف عنا جزئياً أو كلياً، حيث سيتيح ذلك المجال لهذه المجموعات البشرية للانطلاق نحو فضاءات أرحب وطرائق أنجع.

فيا أيها الإنسان المنتمي لهذه الأمة الطيبة، التي هي خير أمة أخرجت للناس، آمن واعتقد كيفما شئت فهذا حقك الأصيل لا ينازعك فيه أحد، ولكن تأكد أن السماء ليست لك وحدك.. ابدأ بالبحث عن حقيقة نفسك حتى تعرف حقيقة خالقك «فمن عرف نفسه فقد عرف ربه».