الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

هرم الأمنيَّات.. ومرجعنا الداخلي الفطري

هرم الأمنيَّات.. ومرجعنا الداخلي الفطري
محمد عبد الله عبد الرحمن كاتب ــ الإمارات

الأمنيَّات والرغائب والآمال.. تلك الكلمات التي نتعلمها ونحن صغارا عندما ننتظر مفاجآت سارة في الأعياد، أو عندما نحقق انجازا منتظرين تقديرا من أقاربنا أو أصدقائنا.

تكبر معنا تلك المنتظرات والطموحات غير ملاحظين اتساع دائرتها في إطار وعينا كلما تقدمنا في مسيرة العمر، فنحن ندرس جادين لسنين أملا ورغبة في (تكميل) أنفسنا، وتطوير مهاراتها لنحصل على الوظيفة المثلى، والتي تضمن تبعا لها تكميلا أكثر من خلال تكوين أسرة أو بناء منزل العمر أو تأسيس المشروع الحلم، ببساطة، وكما عبر عنها (موسلو) في هيكله العتيد للحاجات البشرية، القفز إلى أعلى مرتبة ممكنة من تحقيق الذات الإنسانية فينا.


وبغض النظر عن درجات الرغبة المتفاوتة تفاوت ايماننا بها واعتناقنا لها حلما كانت أو أملا، أمنية كانت أو نية عازمة واثقة، فإن تلك الوعود والعهود التي قطعناها مع أنفسنا لتكمل طريقها لتحقيق ذاتها في هذه النشأة، تثير لدينا سؤالا شبه بديهي: كيف نعي أن هناك مستوى أعلى من إنسانيتنا، وأنه يمكننا تخيله أو تحصيله أو الوصول إليه حالاً أو في المستقبل؟.


وبرغم غرابة السؤال إلا أن ذلك الدافع الفطري نحو (تحسين) إنسانيتنا هو ما يدفعنا حقيقة نحو مواصلة الحياة، ذلك الدافع المستند في جوهره إلى تصور مبرمج مسبقا في دواخلنا دون تدخل منا، لنموذج إنساني أعلى يتحلى بكل ما (نرتجيه) أو نصبو إليه من صفات ومشاعر.

هذا النموذج لا تصنعه رؤيتنا واختلاطنا بمحيطنا الاجتماعي، بل إن تلك الرؤية والاختلاط الفعال هما جزءان من الوظائف التي يسعى إلى تطويرها وتحسينها وترقيتها هذا البرنامج غير المنظور، فمن خلال الاحتكاك تُكتسب الصفات، وتُضع معايير المقارنة والقياس، وتُعرف مفاتيح الآفاق والخيارات لذوي الوعي منا.

ذاك اللغز الساعي فينا نحو الإنسان الأفضل والمحقق لذاته، وبرغم كونه محرك حياتنا الأصلي وسر وجودنا الإنساني المتفرد، قد يكون من أكثر ما يغفله أفراد هذا النوع المتميز من المخلوقات الحية عبر انشغالهم في تحصيل معايشهم، أو بتلك المقارنات والقياسات التي صنعوها ويصنعونها في مسيرتهم صعودا ونزولا عبر مسالك هرم تحقيق الذات الزلقة المتعرجة.

تعودنا أن نوجد لأنفسنا أعذاراً كثيرة لهذا التغافل المتعمد عن الرجوع إلى هذا المرجع الداخلي الثري والموثوق والمحفوظ والشامل لكل ما نتماه في إنسانيتنا، لكن كل هذه الأعذار تضمحل أمام ذلك السبب البسيط لتلك القطيعة: إنه عدم الثقة.

أجل، فنحن لا نثق في مرجعنا الداخلي الفطري، لا نثق به لأننا لا نعرف كيف وُجد، ولا نقدر على تصفحه ولا سؤاله.. إنه مغلف بأغشية من الأفكار والأوهام والعقد، من القلق والجداول الممتدة والمملوءة أرقاما وصورا، والمانعة لنا من الوصول السريع إلى الإشارات والتنبيهات المقبلة من ذلك المرجع الداخلي، وكيف لنا أن نثق ونحن دائما (بحاجة) إلى من يُحَسنُنا علما وعملا وبالأخص إشعارا لنا بالتقدير والقبول.

منذ ولدنا ونحن ننظر إلى ساعاتنا وشاشات هواتفنا، في لهف مسابقين الزمن لنيل غاياتنا التي ستوصلنا إلى قمة ذلك النموذج المحفور في دواخلنا، لنصل إلى الرضا المنشود، أو هكذا نتمنى.. الغاية أوضح لدينا من الطريق، الصورة الآن ضبابية مقارنة بصورة ذلك الحلم المرسوم في خيالنا، ولكن، هل سنبلغ القمة يوما؟ لا، ولكن ذلك النموذج المحفور يأبى إلا أن يتحقق، وبنفس الآلية التي ظهر بها كل هذا الكون بإنسانه من ذرة هيدروجين واحدة.