الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

على طريق السعادة.. « دائماً هناك نبراس»

على طريق السعادة.. « دائماً هناك نبراس»
حبيبة عوض طالبة في ثانوية الصالح ـ الشارقة

كثيراً ما أسمع أن السعادة تخرج من الداخل متجهة إلى الخارج، ولم أستطع رؤية هذا في البداية، لذلك كانت السعادة في نظري هي: امتلاك المزيد من أيّ شيء وكل شيء، معتقدة أن البهجة تسببها عوامل خارجية لتغوص في دواخل النفس.

تلك الحالة من الانتشاء والسباحة في اللاّشيء مبتسماً حتى لو حاولت عدم الابتسام، شفتاك ترفضان الانصياع.. أهذه فقط هي السعادة أَم أن لها أوجهاً أخرى؟


الحقيقة أنني اكتشفت أن السعادة لها أوجه كثيرة، ولا يشترط ارتباطها بالابتسام الشديد، أو أنها ليست شعوراً فجائياً يأتي دفعة واحدة ويذهب دفعة واحدة كموجة تسونامي هائجة، تغمرك فتستسلم لها بكل بلاهة العالم، بل السعادة من منظوري الخاص قد تأتي نتاج أفعال صغيرة.. أشياء قد لا يلاحظها الشخص العادي، لكنها بمثابة المنارة لمن يريد أن يكون سعيداً.


ومن يريد أن يكون سعيداً فعليه أن يفهم دواخله أولاً، لأنه إذا فهم نفسه وما تريد، فسيعرف أين تكمن سعادته، وسيجد آلاف الأسباب يومياً ليبتسم ويشعر بالرضا.. ذكريات طيبة عاشها يوماً.. تسامحه مع هفواته، وحبه لذاته المستقبلية.

إن الانتصارات الصغيرة هي مسببات السعادة الأهم، ولا يراها من اختار دور الضحيّة الناقمة الشكّاءة البكّاءة والمظلومة دائماً، من يريد أن يسعد فسيسعد، وستكون لديه قدرة على رؤية الجيد في أسوأ الأشياء، بل ويفخر بها، سيسعد بكل خطأ ارتكبه يوماً لأنه علّمه شيئاً مهماً في طريق الحياة الطويل، سيسعد وإن كان تحت الأنقاض، ويستند إلى نفسه لينفض غبار الألم ليقف مجدداً.

التسامح هو أكبر سبيل للسعادة، التي لا تستورد من خارج النفس، بل من الحشا تولد، نحن نبحث عن السعادة بعمق حتى تجدنا هي في أبسط الأشياء.. أن تساعد شخصاً ولو بكلمة، أن تمنحه الأمل في عمره والثقة في نفسه، ذلك لأن من يمنح السعادة يحظَى بها في نهاية الأمر، وأعتقد أن السعادة عكس الألم، فلا تعد السعادة سعادة إلا إذا تشاركها أكثر من شخص، ولا يعد الألم ألماً إلا إذا تحمله شخص واحد.

تحويل الألم إلى قوة.. يرى نجيب محفوظ أن السعادة تكمن في ترك أشياء أكثر من كونها في الحصول عليها، ويرى أيضاً أن تراكم الألم يسبب السعادة، فقال: «حين تتراكم المصائب يمحو بعضها بعضاً، وتحل بك سعادة جنونية غريبة المذاق لتضحك بعدها من قلب لم يعد يعرف الخوف».

تكثر تعريفات السعادة لكثرة الأدمغة البشرية وآرائها، وتتعدد فيها النظريات والفلسفات، البعض يرى السعادة في اكتناز المال والامتلاك، لكن المال عدد والأعداد لا نهاية لها، فإن كانت السعادة هي المال، فلن تحصل على سعادتك أبداً، وستعيش بائساً لا تعرف أين الخطأ.

السعادة هي الرضا، والرضا قرار، وهو الثقة بأن اللّه لا يترك عباده، وأن خالقك يحبك ويعلم ما هو الأصلح من أجلك، فتصبر وترضى وتتصالح مع أقدارك ومع العالم.. تحب نفسك وتنشر الحب.. تتمنى الخير للكل حتى من يسبك ويتمنّى لك السوء العاجل.

سعادتي من سعادة من حولي، أريد أن أكون منارة، أن أكون شخصاً مشعاً ينشر الحب والتقبل، أريد أن أكون نجماً مشعاً يراه البعض فيحبه، وتغمره الإيجابية، أريد قيمة لكل لحظة وامتناناً للماضي والحاضر، لا أريد تجاهل السوء في كل شيء، بل أريد رؤيته وتقبله والتصالح معه، فماذا تريد أنت؟

اترك أثراً وحباً ووداً في نفوس الغير، فأنت مغادر لا محالة، تكرّم على من حولك بابتسامة ليقولوا عندما ترحل: «لقد كان هنا نبراساً».