الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

لا جِذْر هناك

لا جِذْر هناك
د. محمد سعيد حسب النبي أستاذ جامعي ـ مصر

روي أن أهل البندقية أطلعوا سفير إسبانيا على كنوز القديس «مرقص»، وكان هذا في احتفال عظيم، فقصرت مجاملته وهو ينظر أسفل هذه الكنوز في قوله: «لا جذر هناك». وكأنه لم يعبأ بالكنوز وزخرفها، وإنما كان بحثه عن الكنوز الحقيقية والجذور الأسمى الباقية وإنجازاته الخالدة.

وفي إسقاط لمضمون القصة على واقع حياة الإنسان؛ فإن جذور شخصيته وكنزه يتجلى في أخلاقه، فالقيم الأخلاقية هي الكنوز الحقيقية للإنسان والإنسانية، كما أنها تمثل ميزان الفوارق بين الناس والأمم والحضارات.


ومما جُبلنا عليه جميعاً أننا نتهلل لنماذج الأخلاق البديعة، التي يتحلى بها أصحاب النفوس الكبيرة، بغض الطرف عن تعارض بعضها مع مصالحنا الشخصية، ومع اختلافها بعض الوقت مع العقل، فمن العجيب أن العقل يخادع أحياناً، ولكن الضمير لا يخادع مطلقاً، فهو دليل الإنسان الصادق، والفضيلة حياة الضمير ووخزه.


وجذور القيم الأخلاقية تنبت في طفولة الإنسانية، ومنها ما هو فطري، ومنها ما هو مكتسب. فالصدق والإخلاص والأمانة مطبوعة في الإنسان، وإن انحراف الفطرة الأخلاقية المطبوعة يستلزم جهداً كبيراً، وذلك ما نراه ملحوظاً في سلوكيات التنشئة الأولى من جهد لتغيير مسار الفطرة عن سويتها، حيث الكذب والخيانة والإهمال سلوكيات يُدفع إليها الأبناء ويكتسبونها من المحيط البيئي الذي يُغرسون فيه.

ولا يتصور أن يحيا الإنسان في غياب القيم الأخلاقية، حيث بانتزاعها تنتزع منه معاني الإنسانية، والذي يحرم نفسه من الفضائل الخلقية، ويتبع أهواء نفسه، سيدهش أنه صار محروم المتعة الحياتية، فاقد الصحبة والمعية، جامد الفؤاد فلا يخفق سروراً، متبلد الإحساس فكأنما قد مات.