الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

لا تحزني «نيني تال».. سنزوركِ قريباً

لا تحزني «نيني تال».. سنزوركِ قريباً
د. ثمامة فيصل كاتب وأكاديمي ـ الهند

لا يمكن لي أن أنسى الذكريات الحلوة التي تعود بي دائماً إلى تلك الجبال الشامخة المَهيبة، والقمم المكللة بالثلوج والسحاب والضباب، والشلالات العازفة على المُنحَدَرات، والزوارق الشراعية والقوارب المُحَرَّكة بالمِجداف، وأشجار السرو والصنوبر الطوال في الأودية الخضراء بين الجبال، حيث السكون مخيم والطمأنينة مسيطرة، وجمال الطبيعة الأخاذ مُبهر ومهيمن.

نعم لا أكاد أنسى تلك السويعات التي قضيتها في مدينة «نَيْنِيْ تَالْ» (Nainital) أثناء زياراتي المتعددة لها مع أسرتي في إجازة الصيف.. إنها مدينة جبلية صغيرة أنيقة تقع في أحضان سلسلة جبال هملايا المعروفة.


وحقاً، أصاب من سمّى هذه المدينة «درة الجبال»؛ فإنها في غاية الروعة والجمال، وتُعد أفضل مَصيف في شمال الهند، وإجازة الصيف هي موعد أهل الهند معها كل سنة.


و«تال» باللغة الهندية تعني البحيرة، وهذه البحيرة الواسعة التي تحيط بها جبال شامخة خضراء، تتراءى للناظر من إحدى القمم كَدُرَّة من العقيق الأزرق في تاج من الزمرد الأخضر.. يا له من خالق ومصور بديع تتجلى آياته في كل زمان ومكان.

كنت قد خططتُ لزيارة هذه المدينة مع أسرتي خلال إجازة الصيف هذا العام لِما فاتَني أن أزورها منذ بضع سنوات، ولكن الجائحة حالت دون تجسد هذه الخطة، كما حالت دون تحقق كثير من الخطط في حياة كل الناس هذه الأيام.

أنا متفائل بأنني ربما أقدر على زيارة نيني تال في السنة المقبلة بإذن الله، ولا أفكر اليوم في فوات هذه الفرصة بقدر ما أفكر في مصير عشرات الملايين من الهنود، الذين كانوا يعملون في هذه المدينة السياحية، وفي مئات المدن والوجهات السياحية الأخرى في مختلف أرجاء الهند، حيث كانوا يكسبون معاشهم بالعمل في القطاع السياحي، فانقطعت عنهم سبل المعاش.

والأمر الذي حز في نفسي أكثر هو ما قرأتُه في آخر التقارير بهذا الشأن، وفحواه أن قطاع السياحة في الهند بل في العالم كله من أكثر القطاعات تضرراً وخسارة بسبب الجائحة، بل يقال إن هذا القطاع يشهد ما يسمى بـ«التوقف التام».

وتُعد الهند من أهم الوجهات السياحية في العالم، وبلغ عدد السياح الأجانب فيها خلال العام الماضي 2019 نحو 11 مليون سائح أجنبي، وعشرات الملايين من السُّياح الهنود الذين يفضلون قضاء بعض الأيام من إجازتهم الصيفية في مصائف البلد المختلفة.

وبما أن الرحلات الدولية من الهند وإليها معطلة لعامة الناس منذ 22 مارس، ويُعتقد أنها لن تستأنف التشغيلَ قبل شهر أكتوبر، فإنه لا يتراءى أيّ أمل في عودة المياه إلى مجاريها في الأشهر المقبلة بالنسبة للقطاع السياحي، الذي يمثل 13% من مجموع فرص العمل المتوافرة في الهند، الأمر الذي يعني أن نحو 87 مليون هندي ممن يعملون في هذا القطاع قد تعطلوا - ولو مؤقتاً - خلال الأشهر الماضية.

وتفيد التقارير بأن أكثر من 50 ألف مكتب سياحي في الهند أُغلقت، بالإضافة إلا مئات الآلاف من الفنادق والمطاعم والملاهي، التي يرتادها السياح في طول الهند وعرضها.

نيني تال تئن اليوم، تئن لأنها تشتاق إلى زوارها وعشاقها وتَحِنُّ إليهم.. تئن لأن شوارعها وقممها مكسوة بالملل والكآبة.. تئن لأن فنادقها ومطاعمها الفاخرة خالية من أهلها، ولأن زوارقها التي كانت تمخر العباب وهي تشق الماء في بحيرة «نيني» هي في سبات عميق اليوم بدون أي حراك. وما لي إلا أن أغمض عينَيَّ، وأزورها في مخيلتي وأقول لها: «نشعر بألمكِ وكرْبكِ يا نيني تال، فلا تحزني، سينقشع البلاءُ عن البلاد، وسينفرج الغمُّ وشيكاً، وسنزوكِ قريباً».