الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

«جمرات من ثلج».. نقر الفكر والروح

«جمرات من ثلج».. نقر الفكر والروح
نبيل عرابي كاتب ــ لبنان

حين تحتضن يداكَ نتاجاً أدبياً ما، ينقر برفق على أبواب فكرك وروحك وذاتك، ليسلك بعدها ما استطاع من الدهاليز التي تفضي اليها، جامعاً ما أمكن من رماد وجعها، ومعيداً لمرايا الواقع المحيط بها أكبر نسبة ممكنة من وضوح الرؤية، في حضور ما تبقى من شعاع ضوء في هذه الحياة، فإنك بلا أدنى شك ستشعر بأن كمّاً هائلاً من الصراخ داخلك، قد وجد المسافة المطلوبة بين جبلين كادا يسحقان صدرك، فيختار أعلى طبقة صوتية تؤديها حنجرتك، ويطلق لها العنان.

وحين تنبت بين أصابعك، وهي تعانق ثمرة إبداعية أدبية ما، براعم الألفة، وتشعر أنها تنمو بهدوء وروية مع كل التفاف مهما كان بسيطاً في هذا العناق الودّي، فإنك ستصل بعدها الى مرحلة تجد فيها أناملك قد استعانت براحَتَي كفّيْك، ثم بأوسع دائرة يمكن أن تصنعها ذراعاك، لتطوّق شجيرة ترعرعت دون ان تستأذن منك، وأوْليْتها من صبرك ما لم تكن تتوقّعه عن طيب خاطر.


وحين يصل بك الأمر الى حال كهذه، فإن الفضل بالتأكيد هو لـ«جمرات من ثلج» صاغت كُتَلها الأدبية مها خير بك ناصر في روايتها الصادرة عن دار ومكتبة الهلال عام 2009، وراحت تقذفها عليك بأسلوب يَلقى الاستحسان لديك، من مواقع لا تراها أنت، وكأنك وسط دائرة إذا حاولتَ التهرّب أو التغاضي عن حقيقة ما، مهما قلّ شأنها، نالَكَ نصيب من هذه الكُتَل الحارقة الباردة في آن معاً، فعند الأديبة ناصر، هناك «وجه آخر لثلج العواطف»، فهي تدفعك بأسلوبها السردي المميز لأن تطأ مساحات من امتداد صراعك مع ظروف الحياة، ربما لا عهد لك بها من قبل، مفسحة المجال لكل شهيق أن يأخذ كامل وقته وقدرته، ليحقق امتلاء قوامه الصبر والعزيمة والثبات.