الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

مشاهد لـ«شهادات تقدير» في حقي.. وحقهم

مشاهد لـ«شهادات تقدير» في حقي.. وحقهم
د. محمد شطاح مدير برنامج الاتصال والإعلام جامعة العين - أبوظبي

من أجمل اللحظات في حياتي، التقائي بطلابي بعد التخرج، واستماعي إلى شهاداتهم في حقي دون مجاملة أو تصنّع، ومثلها شهادات مني في حق أساتذتي، وهذا بعض منها.
المشهد الأول: أغادر محلاً للحلويات، تمر أمامي سيارة مسرعة، تتوقف بعد عدة أمتار، تعود إلى الخلف، ينزل منها شاب، يتجه نحوي، يعانقني ويقبّلني، وهو يردد: دكتور أما عرفتني؟ أنا درست عندك في الجامعة.. أريد أن أوصلك.. لا شكراً معي سيارتي.. سعيد دكتور برؤيتك.

المشهد الثاني: أدخل برفقة صديق مكتب شركة، أنوي الاشتراك في إحدى خدمات الهاتف.


الموظفة: تفضل، أعطني بطاقة التعريف.


تنهي الموظفة المعاملة، ثم تردف، قائلة: أنت الدكتور فلان، أجل، درّست بجامعة (..) أجل، دكتور أنا سعيدة جداً برؤيتك، أنا طالبتك، درست عندك سنة كذا.. أرد: شكراً جزيلاً ابنتي.

نخرج أنا وزميلي لنتوجه إلى إحدى شركات تأمين السيارات، ندخل أحد المكاتب، الموظف: تفضل، أي نوع تأمين تريد؟ أعطني وثائق السيارة، يشرع في إنجاز المعاملة، ينظر في الوثائق، ثم يبتسم، ويظل مبتسماً، إلى أن يتوجه إليّ بالسؤال: دكتور أما عرفتني؟ أنا فلان درست عندكم سنة كذا، بجامعة كذا (..)، شكراً جزيلاً ابني.

صديقي ونحن نغادر يعلق: أخي كل من نتحدث إليه يظهر في الأخير أنه أحد طلابك.

المشهد الثالث: أدخل قاعة المغادرين بالمطار، دقائق.. شاب بلباس رياضي، يجلس بالجهة المقابلة، ينظر إليّ بين الفينة والأخرى، أحدث نفسي: ربما رياضي يلعب لأحد أندية بلد الإقامة، فجأة يناديني، أستاذي، أنا الطالب فلان أعمل بتلفزيون.. درست عندكم سنة.. بجامعة كذا، سعيد جداً برؤيتكم.

المشهد الرابع: بعد أن انتهى الدكتور من عرض مؤلفه في ندوة «بالفيديو كونفرنس». شرع مدير الندوة في توزيع الأسئلة والمدخلات، قدمت مداخلتي، بعدها بقليل أحدهم، يقول: أرجوكم اسمحوا لي أن أخصص وقت مداخلتي للسلام على أستاذي، الذي لم أره منذ أكثر من عقدين، يضيف: أرجوكم دكتور دعني أتكلم عن مناقب أستاذي، ثم يسترسل في المدح والإطراء.

مدير الندوة: أرجوكم انتهى الوقت، أرجوكم.. ترك المجال للزملاء للأسئلة والتعليق.

المتدخل: اشتقت إليه، أستاذي لقد.. لق.. لق.. يقطع المشرف مداخلته، انتهى الوقت، ضيف الندوة، يعلق ضاحكاً: دكتور لقد تحولت ندوتي للدعاية لشخصكم وليس لمؤلفي، تتبعها موجة من الضحك والتصفيق من المشاركين.

المشهد الخامس: خلال لحظة الاستراحة في إحدى المؤتمرات، أردت التقاط صورة أمام لافتة المؤتمر، فرحت أبحث عن شخص، لحظات واهتديت إلى فتاة.. يبدو أنها مصورة صحفية لإحدى المؤسسات.

ابنتي، ممكن أن تلتقطي لي صورة بجانب هذه اللافتة؟ الفتاة: بكل سرور.

تلتقط لي مجموعة من الصور، ثم تسلمني جوالي مبتسمة، دكتور ألا تتذكرني؟ أنا طالبتكم في مسار الإعلام المرئي بكلية (..) سنة (..)، شكراً، شكراً ابنتي.. سعيد بلقائك.

أسعد كثيراً بهذه المواقف العفوية، وهذه «الشهادات التقديرية» التي أضعها أوسمة على صدري.. إنها شهادات أقيس بها مقدار توفيقي في أداء مهمتي، لأن الطالب الذي يقف أمامك بإجلال بعد سنوات من مغادرة الجامعة، لدليل على أنك سكنت عقله وقلبه، وهي شهادات تختلف في مدلولها وحلاوتها، عن شهادات الفصل التي يبالغ فيها بعض الطلاب في الإطراء والتودد بعبارات مثل: «أنت أحلى دكتور في الكلية»، وتنتهي بنهاية الفصل، لتتجدد في الفصل المقبل.

مشهد المشاهد: مر على عودتي من بلد الإقامة يوم أو يومان، مررت في سيارتي على بيت أستاذي للغة الفرنسية في الصف السادس الابتدائي منذ سنين.. لمحته جالساً على كرسيه، يتأمل العابرين، اقتربت منه، أوقفت السيارة، ترجلت نحوه، عانقته وقبلته بحرارة.. وقلت: أستاذي، الواجب يقتضي الوقوف أمامكم باحترام وتقدير وإجلال، سأظل تلميذكم رغم ما حصلت عليه من شهادات.

يحدّق بي طويلاً، يبتسم، ثم يطلقها مدوية: «أنا فخور بك».

وتلك عندي «شهادة الشهادات».