الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«الصداقة».. إكسير حياة وماء نبات

«الصداقة».. إكسير حياة وماء نبات
نورة حسن كاتبة وروائية ـ الإمارات

من منّا يستطيع أن يعيش وحيداً بلا أصدقاء في هذه الحياة، أو لم يهرب يوماً إلى صديق يبثه همومه أو يطلب منه العون ولو بالإصغاء له، لتفريغ ما في نفسه من هموم؟ إنه سؤال تبدو الإجابة عليه بالنفي أمراً مسلَّماً به، فمنذ أن وعى الإنسان ذاته، وتفتحت مداركه العقلية، كانت الصداقة مهمة جداً في حياته، فالإنسان كائن اجتماعي بفطرته لا يستطيع أن يعيش بمنعزل عن محيطه الاجتماعي.

من جهة أخرى، فإنه منذ فجر التاريخ البشري كان الاختلاط بالناس حاجة ضرورية ومستمرة منذ الولادة إلى الممات، تدفع المرء إلى تكوين علاقات اجتماعية أينما حلّ، حيث يسعى بالفطرة إلى التعرف على غيره من الناس، الذين تتوطد علاقته بهم مع الزمن، ليصبحوا مع الأيام من المقربين له، لتتحوّل علاقة التعارف البسيطة التي يفرضها السلوك البشري إلى علاقة صداقة قوية، قد تمتد بنا إلى آخر العمر، نظراً لأهمية الصداقة في حياة البشر.


وتشتق كلمة الصداقة في اللغة العربية من الصدق، وهي تلك العلاقة الاجتماعية التي تربط بين شخصين أو أكثر من الناس، وتكون قائمة على المودة والتعاون، والمصالح المشتركة، التي تبدو المحافظة عليها عاملاً أساسيّاً في استمرار هذه العلاقة وتطورها في المنحى الإيجابي في الحياة، سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة، حيث تثبت الدراسات والأبحاث العلمية ولا سيما المتخصصة منها بعلم النفس، أن الناس الذين لا يملكون صداقات مع الآخرين، هم أكثر عرضة للكثير من الأمراض النفسية، باعتبار أن الصداقة تساعد المرء في التنفيس عن الشحنات السلبية، مثلما تسهم في تحسين المزاج العام للإنسان.


ولا يخفى علينا أن الأصدقاء الأوفياء المخلصين هم من نحتاج إليهم في أوقات الضيق والشدّة، وأن أقربهم إلينا قد يصبحون مخازن أسرارنا، والملجأ الذي نسعى إليه لطلب مشورة أو مساعدة، بالإضافة إلى أن الصداقة تعمق الإحساس بالانتماء للمجتمع، وتسهم إسهاماً كبيراً في تعزيز الثقة بالنفس، وهي صفة لا بد منها للنجاح في هذه الحياة، لدرجة يمكننا فيها الزعم بأن امتلاك صديق حقيقي كنز في هذه الدنيا يجب المحافظة عليه.

ونظراً لأهمية الصديق في مسيرة الحياة الإنسانية، فقد كثرت الأمثال والأقوال فيها، كعبارة الرفيق قبل الطريق، أو الصداقة ملح الحياة، وغيرهما من الأمثال التي تبين أهمية الصداقة، سواء للفرد أو الجماعة، لأنها كصحة الإنسان لا يشعر أحدنا بقيمتها النادرة إلا عندما يفقدها.

لكن أحداً لا يستطيع في الوقت ذاته إنكار حقيقة أن الصداقة تمثل أحياناً معادلات توجب التضحية، وتسييد مبدأ التسامح، وتقبل الأصدقاء والتغاضي عن هفواتهم وأخطائهم، لأن من يبحث عن صديق بلا عيب، يبقى بلا صديق، وها هو الشاعر المعروف بشار بن برد يقول: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه، فعش واحداً أو صِل أخاك فإنه مقارف ذنب مرَّة ومُجَانِبُه والحقيقة أن الصديق الصادق والمخلص في مواقفه هو الذي يجعل الحياة زاهية وجميلة في عيوننا، حيث برفقته نستشعر الحب والطمأنينة، ونشعر أن هناك شخصاً ما يهتم لأمرنا، وكم من صديق في حيواتنا أصبح مع الأيام بمثابة الأخ، بل أقرب إلينا من الأخ أيضاً، فكان عوناً لنا في الشدة والحزن، وكان خير من نتكئ على كتفه إذا حزنّا، وكأن أرواحنا بحاجة إلى استعارة أكوان أخرى تصنع فيها هذه السعادة، التي نستشعرها في عالم الصداقة، وتكون بالنسبة إلينا أشبه بإكسير الحياة، والماء الذي تشربه النباتات

لتخضوضر وتنمو.