الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

سآخذك معي إلى السينما

سآخذك معي إلى السينما
د. محمد شطّاح مدير برنامج الاتصال والإعلام جامعة العين - أبوظبي

لا أزال أذكر ما حدث وكأنّه البارحة، عندما قرّرت المبيت عند جدتي، في إحدى ليالي رمضان وأنا في سنّ الطفولة، وكانت لرمضان طقوس، منها البقاء خارج البيت قبل المغرب للاستماع إلى الأذان، ثم تبليغه بالأناشيد والأهازيج إلى كافة الأسر في الحي.

دخلت يومها البيت بعد تلك الطقوس، وتناولت وجبة الإفطار مع أفراد الأسرة، أنهى خالي فطوره سريعاً، وشرع في تدخين سيجارته، ثم تهيأ للخروج إلى المقهى، ثم التفت إليّ وخاطبني:


- سأعود بعد ساعة لآخذك معي هذه الليلة إلى سينما المدينة.


غيّرت لباسي وانتعلت حذائي وربطت حزامي، وجلست بجانب الباب في كامل التأهب والاستعداد أنتظر عودته للذهاب إلى هذا العالم الجديد من التسلية، مرّت الساعات، وبلغت منتصف الليل وأنا أترقَّب، وظللت على هذا الاستعداد إلى أن حان وقت السحور، عندها دخل خالي، وبمجرد أن شاهدني قال لي:

- «نسيتك، والله نسيتك، لا تهتم بالأمر سآخذك معي في المرة المقبلة».

توالت المناسبات، وتعمّدت المبيت لمرات عند جدتي، عسى خالي يتذكر ويأخذني إلى السينما، لكن لم يحدث ذلك أبداً.

كانت في بلدتنا الصغير قاعة للاحتفالات، وكانت تعرض مرة في الأسبوع فيلماً للسينما المتنقلة، وكان هذا اليوم مناسبة يجتمع فيها الشباب أمام باب القاعة ينتظرون مشاهدة الفيلم، وبعد نهاية العرض يظل الشباب يتحدثون عن بطله ومشاهده لمدة أسبوع، أو لحين العرض المقبل، وجاءت الفرصة هذه المرة، فقد اصطحبت أحد أعمامي لمشاهدة أحد الأفلام، ومن يومها بدأ ارتباطي بهذه الوسيلة، وبدأت أدّخر ما أجمعه من دنانير خلال أسابيع لشراء تذكرة والاستمتاع بمشاهدة عرض سينمائي.

بقيت طوال شبابي أنظر إلى السينما والفيلم السينمائي كمجرد تسلية وترفيه، وكنت مشدوداً في الغالب إلى الصورة أكثر من الفكرة، وازداد ارتباطي وولعي بالسينما عندما التحقت بالجامعة بقسم الصحافة والإعلام.

لا أزال أذكر يوم الاثنين صباحاً من كل أسبوع ،عندما كنّا ننتقل إلى مقر «متحف السينما» Cinémathèque وسط الجزائر ـ العاصمة ـ لنجد أستاذة مادة «السينما» (وهي فرنسية) في انتظارنا لمشاهدة ومناقشة فيلم بحضور مخرجه في بعض الأحيان، ثم نقوم بإعداد ملف عن الفيلم يعرض في نهاية الفصل.

وهكذا شاهدنا مجموعة من الأفلام لا تزال محفورة في الذكرة، ومنها: «رجل ونوافذ» للمخرج الجزائري «مرزاق علواش»، و«المدمرة بوتمكين» Battleship Potyomkin للمخرج الروسي «سرجي إيزنشطاين» Sergei Eisenstein، ومجموعة أفلام للمخرج «يوسف شاهين» منها «إسكندرية ليه؟»، و«حدوته مصرية» و«وداعاً بونابرت»، ومجموعة أخرى من الأفلام الأمريكية والفرنسية والهندية، زادت هذه المرة من اقترابي من السينما ليس كمشاهد فقط بل كمتابع ومهتم.

وعليه، فعندما درسنا لاحقاً مادة «السينما والمجتمع» كنتُ سبَّاقاً إلى اختيار البحث الأول وهو: تاريخ السينما، وكنتُ متحمِّساً للموضوع، وذهبت إلى مكتبة الجامعة أبحث عن مراجع، فلم أحصل إلا على الشيء القليل، وكثّفت البحث إلى أن اهتديت إلى مكتبة متخصصة في كل ما يتعلق بالسينما من كتب ومجلات وأفلام أغلبها باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ومنها تعرّفت على «الواقعية الإيطالية»، و«الموجة الجديدة في السينما الفرنسية» و«التسجيلية (الوثائقية) البريطانية» مع «جون جريرسن» John Grierson و«سينما الاستوديوهات الأمريكية الكبرى»، و«الواقعية المصرية» مع «صلاح أبوسيف»، ومنها بدأت أيضاً علاقتي بالترجمة، واستمرت معها عادة الذهاب إلى السينما، تجذبني إليها قوة الفكرة وسحر الصورة.

وقد لخّص أحد المخرجين هذا السّحر وهذه الجاذبية عندما وصف السينما بأنها: «وسيلة تتطلب نوعاً من الاستعداد لمشاهدة عروضها، بدءاً من ربط الحذاء، وشدّ رابطة العنق، وارتداء الجميل والأنيق من الثّياب، ثم الذهاب إليها في شكل من «الاحتفالية»، عكس الوسائل الأخرى كالصحيفة والراديو والتلفزيون، التي تأتي إلينا «صاغرة»، ولا نمنحها نفس المشاعر والاهتمام.