الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تفاصيل صغيرة

تفاصيل صغيرة
مريم الشكيلية كاتبة ـ عُمان

رذاذ ينقر نوافذي، وبرد يندسُّ تحت جلدي، وأرض برائحة المطر، وشمس بنصف ظل، وكرسي خشبي، وفي الزاوية طاولة عليها فنجان قهوة بشذى البن العربي، وورق من شجر البرتقال، وطيور تحطُّ كل ثلاثين دقيقة في باحة منزلي.. يا له من صباح مكتمل الأركان.

وعلى مسامعي يأتيني صوت فيروزي، ينساب من كشك بمحاذاة شارعنا، حيث دخان المداخن ورائحة رغيف الخبز، وعلى جانبَي الطريق بائع الجرائد والقرطاسيات الورقية.. إنها تفاصيل صغيرة كأنها كلمات متقاطعة تجعلك مأسوراً «بسحر تفاصيلها».


وغير بعيد مني شاطئ رملي أبيض يجالسه المد والجزر، كأنه أرجوحة قدرية، يعلوه صوت موج أزرق، وفيه مراكب شراعية في حركتها تبدو كأنها تنام على ذراعيه، كطفل صغير أرهقه العياء.. إنه منظر مثل لوحة بريشة صيفية تدخلك في عالم مغمور بالأحلام.


وحين تأتي مواسم البكاء وتداهمك كأمواج تسد مخارج صوتك، تجعلك أعزل من رداء عواطفك، وتهز ثباتك مواسم البكاء يا سيدي، وتجعلك جزءاً من حبرك، وممدداً على فراش ورقك.. هنا تلغي مواسم البكاء جواز سفرك وتجعلك منتظراً «في مقاعد المطارات أو عالقاً» في طوابير طويلة.

أما أنا، أحس إذا جنّ الليل متأبطاً وحشة الظلام بأنني مصلوبة على جذوع الصمت، وأحس أيضاً بأني نجمة مزروعة في غابات سماوية، وبعد هنيهة تطفو على السطح.

تُرى، من أين جاءت تلك الشجون على سفح كتاباتي؟ وكيف غمر النزيف أناملي؟ وفي داخلي كأن الصدى يزحف على دفاتري، وعلى رسائلي.