الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

أسرار القلب.. و«الأشياء الصّغيرة»

أسرار القلب.. و«الأشياء الصّغيرة»
د. أمل آل عليأ كاديمية ورائدة أعمال - الإمارات

هل للقلب أسرار؟.. منذ كنَّا صغاراً عرفنا أهمية القلب في جسم الإنسان، حيث إنه يضخ الدم للمخ، وإذا توقَّف عن العمل أسدل الستار على كل شيء بعده.. ولكن هل للقلب وظيفة أخرى غير ضخ الدم؟ وهل يتحكم في الإنسان وتفكيره أم أن هذا دور العقل؟ وهل القلب يبْصر؟.. هذه الأسئلة الجدليّة وغيرها حيَّرت العلماء والمفكرين على حد سواء.

كنت قد شاهدت فيلماً في الماضي عن التبرع بالأعضاء، وفي سياق مشاهده احتاجت إحدى شخصيات الفيلم لعملية زراعة قلب، ليكون من نصيبها قلب أحد المغامرين وراكبي الأمواج، لتنقلب حياة المرأة بعد ذلك، ويتغير نمط تفكيرها، واختلفت معتقداتها تماماً، كما تحولت شخصيتها.


من ناحية أخرى، لاحظ العلماء أنه بعد عمليّة زراعة القلب تتحول اهتمامات الشخص وتختلف معتقداته، وقد يميل بشخصيته وتصرفاته لشخصية المتبرع، وبالتفكر قليلاً في هذا الموضوع، نرى أن القلب بالفعل له دور أكبر من دوره العضوي في عملية ضخ الدم.


إذن، فلنتوقف لحظة ونرى ماذا يخبئ هذا القلب من أسرار؟.. للقلب كما لكل أعضاء جسم الإنسان ذاكرة، ولكن ذاكرة القلب تمتاز بأنها مخفية وعميقة وقوية، هذا بالإضافة إلى أنها الحافظة للذكريات، حيث أثبتت بعض الدراسات أن الدماغ تختلف خلاياه وتتغير بمرور الزمن، ولهذا السبب شكك الباحثون في أن الدماغ هو الحافظ للمواقف والذكريات، وأكدوا أن الحفظ والذاكرة في القلب، حيث إنها جواهر لا تتبدل ولا تتغير.

إدراكنا لهذه الحقيقة قد يقودنا إلى تغيير طرق تعاملنا مع الآخرين، وخاصة المقربين منا، فاليوم وسط ضغوطات الحياة تجد الناس في أشدّ الحاجة لما يسمَّى بالفضفضة، أو الحديث بما في القلب، ولكن في الوقت ذاته تجدهم يعزفون عن الحديث حتى مع أقرب الناس إليهم، وقد يرجع السبب إلى المخاوف الداخلية من أن المتحدث إليه قد يتخذ موقفاً سلبيّاً أو قد يكون لديه حكم مسبق، وربما لن يتفهم الحديث، ومخاوف أخرى كثيرة من هذا النوع.

إن الحديث أو الفضفضة أمر ضروري للغاية، فالكتمان داخل النفس قد يتسبب باتخاذ قرارات خاطئة، وقد يتسبب أيضاً بأمراض نفسية وسلوكية، فالإنسان كائن خلق ليكون اجتماعيّاً ولا يبقى وحيداً منعزلاً.. فما هي يا ترى الأسباب الحقيقية وراء شعور الإنسان بالقلق حيال الحديث مع الآخرين وخصوصاً المقربين؟

يرجع السبب في هذا التردد والقلق من وجهة نظر الباحثين في هذا المجال إلى العقل الباطن لدى الإنسان، وتراكم الخبرات السابقة، وخاصة في سن مبكرة، فالإنسان يمر بمواقف وتجارب عديدة قد لا يتذكرها جميعها، ولكنها حتماً تترك أثرها في العقل اللاواعي.

لقد اتفق علماء البرمجيات العصبية اللغوية على أن العقل اللاواعي هو المحرك الأساسي لتصرفات الأشخاص بعد ذلك، فكلما غذَّيْنا العقل اللاَّواعي بتجارب إيجابية وأفكار إيجابية انعكس ذلك على سلوك وتصرفات الإنسان.

ومن هنا يتوجب علينا الحذر دائماً في تعاملنا مع الآخرين، فقد يكون تصرفنا معهم سبباً في سلوكيات مستقبلية غير مقبولة، وأخص بالذكر هنا الأطفال في سن مبكرة، فكلما كنا إيجابيين في تعاملنا معهم خلق ذلك التعامل لديهم ثقة في الآخرين.

إن الأشياء الصغيرة التي يصنعها الأطفال كرسومات على ورقة أو حجارة جمعت من الشاطئ، أو جملة كتبت بخط مهزوز، ربما تكون من وجهة نظرنا بسيطة أو غير مهمة بعض الأحيان، ولكن عندما نبْدي اهتماماً بتلك الأشياء الصغيرة، فإننا نزرع في صانعها ثقة ليشاركنا أسراره الكبيرة في المستقبل.