الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

الحب.. أبي

الحب.. أبي
د. أمل آل علي أكاديمية ورائدة أعمال - الإمارات

نشرت إحدى الفتيات في المملكة العربية السعودية صوراً مختلفة لوالدها وهو ينتظرها، تارة في مواقف المدرسة، وتارةً أخرى في مواقف الجامعة، وحتى أثناء تقديمها على وظيفة.. انتشرت تلك الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرها المغردون ونشطاء التواصل نوعاً من الوفاء لمن تعب وضحى.

الوالدان كما أوصى بهما رب العالمين هما الشخصان الوحيدان في العالم، اللذان يعطيان دون مقابل، وهذا هو الحب غير المشروط، وهذا هو موضوعي اليوم.


الحب غير المشروط، هو الحب الذي يأتي بدون توقعات، والذي نعطيه بدون انتظار العائد، وهو كذلك الحب الذي يأتي مع تقبل الآخر بكل صفاته أعجبتنا أم لم تعجبنا.


هناك مفاهيم عديدة للحب، فالبعض يرى الحب قصة عاطفية جميلة بين اثنين، والبعض الآخر ينظر له على أنه وفاء وتضحية، وهناك أيضاً من يراه تبادل مصالح، بينما هو أسمى عاطفة في الوجود، والإنسان يحتاج لهذه العاطفة ليكون سويّاً ومتَّزِناً في حياته، فعندما يشعر الإنسان بحب الآخرين، فإن ذلك يهوّن عليه تعب الحياة.

ولأهمية هذه العاطفة لدى الإنسان أنشأ لها الرومان يوماً خاصاً في السنة وأطلقوا عليه فالنتاين نسبة لأحد القديسين في ذلك الوقت، وما لا يعرفه كثيرون أن هذا اليوم لا علاقة له بالمناسبات الرومانسية على الإطلاق، بل كان يوماً دينيّاً يحتفل به الرومان تعبيراً عن ولائهم الديني، وذكرى لشهدائهم الذين قضوا في الرابع عشر من فبراير لأسباب دينية، إلا أنه تحوّل بعد ذلك مع مرور الزمن ليصبح مناسبة رومانسية يحتفل بها المحبون في ذات التاريخ، وقد أصبح هذا اليوم في الثقافة الغربية يوماً خاصّاً جدّاً.

عندما كنتُ أعيش في المملكة المتحدة كنت ألاحظ معالم الاحتفالات بهذا اليوم بين الناس، وتكتسي الشوارع والمحلات باللون الأحمر، وهو اللون المعبر عن المناسبة.. كنت أرقب الفتيات في محال الزينة لشراء بالونات يوم الحب، ومع نهاية اليوم أرى الفتيان يتسابقن على محلات بطاقات المعايدة لشراء بطاقة الحب في آخر لحظة.

لكل منا معشوق ويختلف هذا الشخص ودوره في حياتنا، حتى إنني بعض الأحيان أتلقى ورود وبطاقات الحب من طالباتي اللواتي قد يكن ارتأين في شخصي مثلاً أعلى لهن، أما أنا فوالدي في حياتي هو مَثَلي الأعلى.. إنه شخصية عقلانية ومدبرة ومثقفة وعصامية، ولد في نهاية الأربعينيات، تلك الفترة الصعبة في هذه المنطقة، ورغم قسوة الظروف تمكن من إتمام دراسته الجامعية، وكان من أوائل الإماراتيين حاملي الشهادات الجامعية، وعمل في الحقل التربوي لسنوات حياته كاملة، وكان مثلاً أعلى لطلابه وكنت أرى حبهم واحترامهم له، كما أنه كان مثَلاً أعلى لزملائه في العمل، وحتى بعد التقاعد أراهم يتواصلون معه ليستشيروه ويستدلوا برأيه في شتى مجالات حياتهم.

كان والدي منذ طفولتي دليلي الإرشادي الأول، ورغم اختلاف اهتماماتنا إلا أنني كنتُ أُنفِّذ إرشاداته دون تفكير بعض الأحيان، رغم أنها لا تكون على مزاجي معظم الأحيان، لكني أكتشف بعد ذلك عمق نظرته للأمور.

وعندما أتأمل في نمط الحب المتبادل بيننا أرى ذلك الحب البعيد عن الرومانسيات والبطاقات والورود.. حباً من نوع آخر مليء بالنقاشات والمشادات والجدالات.

أرى ذلك الحب غير المشروط، الحب الذي يعطي بلا مقابل وبدون انتظار مردود. حب مليء بالتضحيات، حب من يريد أن يرى من يحب في أفضل صورة وأرفع مكانه لا لشيء وإنما للمحبوب نفسه.

فلنبحث في ذواتنا عن معنى الحب الحقيقي ولنعطِ كثيراً من الحب للمحيطين بنا، فالجميع يحتاجون إلى الحب.