الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

على جواد الحياة

على جواد الحياة
د. أمل آل علي أكاديمية ورائدة أعمال ـ الإمارات

كنتُ ذات صباح في نادي الفروسيّة، حيث اعتدت أن أمارس هوايتي في ركوب الخيل، ورغم أني أعشقُ ركوب الخيل، ومنذ أكثر من عشرين عاماً وأنا أمارس هذه الهواية دون انقطاع، ولكنِّي لم أفكر من قبل في تجربة الركوب على ظهر الحصان بدون سرج.

فقررت اليوم خوض هذه التجربة، وشعرت بأنني أمتطي الجواد للمرة الأولى في حياتي.. شعور غريب بالميل نحو اليمين تارة ونحو الشمال تارة حتى شعرت بأنني قد أسقط من فوق الحصان في أي لحظة، إلا أني استعدت توازني بعد عدة محاولات.


يعرف الفرسان أن رياضة ركوب الخيل تتطلب التوازن، لأن التوازن يساعد الفارس على التحكم بمساراته كما يساعده على البقاء فوق ظهر الحصان سواء في المشي أو العدم أو الركض السريع وهكذا الحياة، وعدم وجود توازن في جوانب الحياة المختلفة يؤدي للسقوط من فوق سرج الحياة.


كثيرون لا يعرفون الجوانب المختلفة في الحياة، ويسيئون التقدير في الاهتمام بشؤونهم المتنوعة، ما يؤدي لانعدام التوازن.

الحياة فيها عمل ورزق وعائلة وعلاقات اجتماعية ومرح وهوايات، وكثير من الناس يأخذون الحياة على محمل واحد معظم الأحيان، فتجد أحد الأشخاص ينهمك في العمل غير آخذ بالاعتبار الالتزامات الأسرية، فينهار بذلك الترابط الأسري وتجد بعد ذلك الحياة مرَّت به سريعاً ليصل إلى مرحلة يكون فيها الأوان قد فات وهو لم يستمتع مع سرته ولم يراقب نمو أبنائه، وكذلك الحال بالنسبة للذي ينغمس في مرح الحياة وملذاتها من مأكل ومشرب وسفر ورحلات، تاركاً الأمور الأخرى وراءه، متجاهلاً هدفه في الحياة وغاياته ورسالته الأسمى التي خلق لها.

وهكذا لا بد من خلق ذلك التوازن في الحياة، وهذا يتطلب أولاً تحديد الجوانب المهمة بالنسبة لنا، وقد تختلف هذه من شخص لآخر، ولكن الجوانب التالية تعتبر أساسية وهي: العمل والمال والواجبات الدينية والحياة الاجتماعية والأسرة والهوايات ونمط الحياة.

ولو نظرنا لكل جانب من تلك الجوانب المذكورة أعلاه على حدة للاحظنا أنها ذات أهمية كبيرة، وتأثير كبير على حياة الأشخاص.

فمثلاً لا يختلف اثنان على أهمية العمل، ودوره في إحساس الشخص بكينونته وأهميته ورسالته في الحياة، ولكن ينبغي على الأفراد أيضاً اختيار نوعية العمل بحرص وعناية، ولا بد من تواجد الشغف، حيث إننا نقضي جزءاً كبيراً من وقتنا في العمل، الذي من الضروري أن يكون ممتعاً، كذلك الجانب الديني لا بد أن يخصص له وقت يكون الإنسان فيه في حالة من السلام والطمأنينة، وألا يكون في عجالة لكي يستمتع ذلك الشخص بأداء واجبه الديني، وتحصل الفائدة المرجوة من وقت العبادة.

والشيء ذاته ينطبق على الهواية، حيث نرى الكثير من الأشخاص يقللون من أهمية الهوايات، على الرغم من دورها الكبير في الترفيه عن ممارسيها، بالإضافة لكونها تصقل شخصية الإنسان.

أما الحياة الاجتماعية فهي من الجوانب الأشد تأثراً، وخاصَّة في وقتنا الحاضر، حيث طغت التكنولوجيا، وتباعد الناس، وأصبحت الزيارات مقصورة على المتابعات واللايكات على مواقع التواصل الاجتماعي، والشيء نفسه ينطبق على الأسرة والعائلة.

تتغير أنواع جوانب الحياة باختلاف الأشخاص وطبيعتهم وميولهم، والحياة السليمة المتوازنة تتطلب الإيفاء بالالتزامات السابقة، والالتزام يبدأ مع النفس، لذلك يجب خلق التوازن بتخصيص وقت مناسب لكل جانب من الجوانب المتنوعة للحياة، وعدم التفريط في جانب لحساب آخر، وإلا فسيختل التوازن، ونسقط من فوق جواد الحياة.