الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«تصنيع أقدارنا».. وفي الذاكرة بيت

«تصنيع أقدارنا».. وفي الذاكرة بيت
القدر اللُّغز، ولا سيما حين يصحبه القضاء، وقد تعوّدنا فيما تعوّدنا، التّسليم له تيقناً!.. الموضوع هنا شيء من تصنيع القدر، من ممارسة الغد، وتشكيله بإرادتنا، ووعينا، كما يؤكّد فلاسفة وعلماء نفس، بعد أن نكون مَنْهَجْنا أنفسنا على الأمر.

تُخْبِرني أنها منذ حداثة سنِّها لا تفتأ ترسم بيتاً، على التراب مرّة، وهي تلعب مع أترابها مرة أخرى، تنفصل عنهم، وتتوهُ في عالم مغاير يخصّها، ثم عندما دخلت المدرسة، وتعلّمت مبادئ الرسم لم تكن لتستطيع أن تتخلى عن البيت الذي غدَا مطليّاً باللّون، حتى إن كل ما تعلّمته من معلمة الرسم اقتصر على حدود مبسطة له، وظلّت ترسمه في مزلق العمر كلما وقع في راحتها قلم! تعدّدت محالّ الرسم، ولكن ظلّ بيتها البصمة الأولى والختام، والمفتقدة في حياتها مرتفقاً بشمس أشعتها مشعّة، وبطيور تتصاعد مدلوقة في الزرقة.. هذه المرأة لم يُقدّر أن تقتني بيتاً يخصّها ويشعرها بالسلام، وعندما استطاعت أن تمتلكه فقدته كما فقد كثيرون بيتوهم في الحروب، والتّشرد.. ومما روته: أن الشمس، والطيور هما اللذان بقيا! تُحيلني المرأة إلى كتب قرأتها، تغوصُ في عوالم النفس، وتساعد المرء في القفز فوق الاستلاب، والعجز، وتضيف أنك بذاتك تستجلب قدرك، فما تفكّر فيه سيأتيك شرّاً، أو خيراً.. كُتُب تعلّمك كيف تتخلص من السلبية، وتستقدم الفرح إليك، الثروةَ إن رغبت، السفرَ لو اشتهيت، حبيباً معيناً، كيف تخرج من تجربة سيئة، من نحسٍ مقيم.. ابدأ فقط، وسيبهرك ما ستحظى به.

كتاب «سحر العقل» لـ«مارتا هيات».. أساليب تساعدك على تغيير حياتك، وكتاب «السرّ» الذي عُرّف بأنه شذرات من سرّ عظيم تم العثور عليها في الأقوال المأثورة، وفي الآداب، والأديان، والفلسفات على مدى القرون، وضمّت إلى بعضها في هذا الكتاب الذي وُصف بأنه سيغير حياة كل من يقرؤه.


جاء فيه «ليكن المظهر كالجوهر، وليكن الظاهر كالباطن/ اللوح الزمردي حوالي 3000 ق.م» وقول «جون أساراف»، وهو رجل أعمال، وخبير استثمار: «إن أبسط طريقة بالنسبة إليّ لاستيعاب قانون الجذب هي أن أعتبر نفسي مغناطيساً، وأنا أعلم أن المغناطيس يجذب إليه مغناطيساً، وأنت أقوى مغناطيس في الكون، فبداخلك قوة مغناطيسية أشدّ بأساً وفاعلية من أي شيء في هذا العالم، وهذه القوة المغناطيسية التي لا يُسبر غورها تنبعث من أفكارك».


أعود إلى محدّثتي، بيتها المشيّد فوق الرمال، وفي خيالها، وفي كل مكان عاشت، امرأة خبرتها تهوى العزلة، وتسلَّطت عليها فكرتها منذ الصغر، ولم تتمكن طوال حياتها من أن تستبدل التفكير بالمضادّ له، وراق لها الأمر فتوافقت، وذاتها!.. فهل ندّعي أنها جذبت حياتها بطريقة تفكيرها، كما ورد في «السرّ»؟! بيوتها لم تكن صغيرة، تملؤها بغرف متعددة، ولكنها حين تصل إلى ردهة الاستقبال ترسمها ضيقة جدّاً لا تتّسع إلا لها، وحين قدّر لها أن تبني بيتها بنته موافقاً لما ورد في تخيّلها تماماً، ولا تزال أنّى تنقّلت تعيش الظرف نفسه، ترسم، وتؤثّث لبيوت جديدة.

تلك المرأة اكتشفت في لحظة أنها لا تملك شيئاً مما تظنه لها، تحيك وتنشئ عبر خيالها كتعويض ربما، أما يداها فتبدوان خاليتين من أي أثر تلوين، وحبور.. إنها تعود إلى نقطة البداية في كل حين، ولكن عبر الأفلاك نفسها.

تتأمّل حفيدتها مستغرقة، تراكم فوق سريرها ممالك، وعوالم لِدُماها، لتغفو بعد زمن من اللعب الفرداني، وقد بعثرتها، وتستعيد ما سلف، وقانون الجذب.. أحقيقيّ أننا نصنّع أقدارنا، وهل حفيدتها ترشرش براحتيها النديتين بذوراً لمستقبل يحرث طريقه؟!