الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أمل الجليد.. يعود من جديد

أمل الجليد.. يعود من جديد
إن اجترار جبل جليدي بطول كيلومترين إلى سواحل دولة الإمارات كان حلماً أقرب للواقع منه إلى الخيال في ذهن المهندس الإماراتي «عبدالله الشحي»، إلا أن الدراسات المرتبطة بالكلفة وعملية النقل وشروطها، ونسبة الذوبان أثناء النقل، والطاقة المستخدمة في النقل وما إلى ذلك، لم تكن كافية ضمن الإطار الزمني الضيق للمحافظة على الكتلة الجليديَّة من الذوبان.

إن توفير مليارات اللترات من المياه العذبة على مدار سنوات كان أحد الأهداف الرئيسية وراء هذا المشروع، إلا أن الانتقادات كانت بالمرصاد حول حقيقة التأثير المناخي في ظل وجود هذه الكتلة المتجمدة بالقرب من شواطئنا، وما إذا كان الحجم الذي لا يتعدى الكيلومترين سيكون كفيلاً بجعل أجوائنا الصيفية أقرب منها للشتوية بعد ازدياد نسب الرطوبة المرتبطة بالتبخر الطبيعي للجليد، وبالتالي ازدياد نسب تكون السحب وهطول الأمطار، إضافة إلى استحالة سحب كتلة تزيد على الكيلومترين بحسب ما وصلت إليه المعدات التكنولوجية في ذاك الوقت، أي ما بين عامي 2017 و2019، وهي المدة التي قلصت حجم الكتلة الجليدية إلى أن أصبحت غير مجدية للمشروع الحلم.

ذاب الحلم بذوبان تلك الكتلة الجليدية، قبل أن ترى نور شمس سواحلنا الإماراتية، إلا أن بذرة الحلم لم تمت بعد، حيث عادت لتنبت من جديد – على الأقل في مخيلتي - بعد خبر انفصال أكبر جبل جليدي بطول 170 كم، والذي أطلق عليه اسم «إيه ـ 76» في القارة القطبية الجنوبية، وذلك في بداية شهر مايو الماضي.


ولن أتطرق هنا لموضوع الاحتباس الحراري ومدى تأثيره على اضمحلال كل من القطبين الشمالي والجنوبي، وما قد يؤول إليه من ارتفاع في منسوب المياه وارتباطها بكوارث الفيضانات، والتي هي في تزايد مستمر، بل سأحاول النظر في النصف الممتلئ من كوب التغير المناخي وأعيد تحليله من جديد.


إن إنقاذ هذا الوليد الجليدي الجديد من الذوبان، بعد أن انفصل عن أمه (القطب الجنوبي)، سيحمي آلاف البشر من التعرض لخطر الفيضانات، ناهيك عن إنقاذ مخزونه المائي وتأمين مصدر طبيعي للمياه العذبة دون عناء ولسنوات طوال، خاصة في ظل تناقص مصادر المياه العذبة، وشحّها في كثير من دول العالم.

أما عن الأجواء الباردة، فإن الكتلة الجليدية السابقة لم تكن تتناسب طرديّاً مع طول سواحل دولتنا، التي تتجاوز 400 كم مربع، حيث إن كيلومترين من الجليد لن يؤثرا سوى على منطقة لا تتجاوز عدة كيلومترات فقط، أما الوليد الجديد فيمكنه فعل ذلك، إن توصلنا للحلول الممكنة.

كان ضيق الوقت، وما هو متاح من دراسات علمية يقفان في طريق تحقيق الحلم، أما الآن فلدينا من الوقت الكثير، حيث إن الجبل الجليدي الحالي قد يأخذ عشرات السنوات قبل أن يصل إلى مرحلة الذوبان الكامل، بل ربما قد نحتاج إلى أن يتقلص قليلاً أثناء إجراء الدراسات اللازمة، وصولاً إلى اختراع أو حل يجعله قابلاً للوصول إلى سواحلنا.

هناك قلّة من الأبحاث حول كيفية استثمار الانهيارات الجليدية، وتخفيف تداعياتها على الطبيعة، لصالح منطقتنا الجغرافية الحارة، وهي حتماً مساحة خصبة للبحوث والدراسات من أجل مستقبل يتجاوز كل التوقعات كما عهدنا من دولة الإمارات، دولة المنجزات.

والجدير بالذكر أن الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية قد قامت بدراسات مشابهة في عام 1977، وهي أيضاً قد آلت إلى التغاضي عن المشروع، لعدم توفر مقومات التنفيذ المطلوبة، والسؤال هنا: لِم لا تتكاتف الجهود والدراسات في سبيل توفير الوقت والجهد وتحقيق قفزات علمية وعملية تحتسب لصالح دول خليجنا العربي؟

نعم، قد يكون الحلم شبه مستحيل، لكنه ليس كذلك على أبناء الشعب الإماراتي، الذي أوصل بفخر وكفاءة اسم العرب إلى المريخ، والباحث دوماً عن تحديات وأرقام قياسية جديدة.. نعم، يمكننا أن نصل بهذا الوليد الجليدي إلى دولتنا الفتية التي تمتلك قيادة استثنائية لا تعترف بالمستحيل.