الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

جراحي.. وعجز الكلمات

جراحي.. وعجز الكلمات
ثمَّة جراح لا نستطيع أن نُشْفى منها، بل لا نستطيع التحدث عنها، وثمة جراح تخط النصال خطها البياني على قلوبنا، ثم يفنى القلب، ويبقى أثر الجرح كوشم من جمر لا ينطفئ.

ومن جانب آخر، الفرح لا يحتاج إلى كلمات، فيكفي أن تنظر إلى أفعال ملامح وجه من يتحدث إليك، وهذا هو سحر الفرح، أما الحزن فإنه كالضباب في الجو لا ترى منه بوضوح أي شيء، كما أن الجراح لا يمكن وصفها بكلمات، لأنه لا يشعر بها إلا من يكابدها ويعانيها.

والنفس الإنسانية مثل الزجاج لا تجرح إلا عندما تنكسر، والكلمة هي الترجمة الحقيقية للنفس الإنسانية، ولكن ربما لا تستطيع الكلمات أن تنقل المشاعر، وتعبر عن ألم الجراح في أعماق نفس الإنسان، لو أراد أن يتكلم فكلماته تبدو غامضة فجة.


الكلمات والألفاظ التي تصف الكون في قصيدة شعر أو عبارات نثر لا يمكنها أن تعبر عن داخلنا، وتعجز عن كتابة تلك الأحاسيس التي غالباً ما نحسها، وتجعل مشاعرنا مجرد سراب يسري في الأفق نراه ونحسه لكننا لا نتمكن من لمسه.


تبقى الكتابة سرّاً من أسرار الكون يخضع فيه القلم لأنامل شخص يريد أن يجعل هذا الكون كلمات وألفاظاً، حتى يخرج للناس ما بداخله.

الآن، أنا أحمل بين أناملي جزءاً من الكلمات الفياضة وينتابني الحزن الشديد حين أخطئ اللفظ والكلمات، لكن الألم هو عجز ذلك القلم، والأنامل تحتضنه في أن يجد كلمة واحدة تصف ما يكنه فؤادي.

هنا الفرح يهجرني، والحزن يرافقني، والوجع يسكنني، وذكريات الماضي تشغلني، وأشعر بأن همومي ستخنقني، حيث الجراح في قلبي، جراح تنزف، جراح تعفّنت من كثرة الدماء، جراح أبكتني وجفّفت دموعي، جراح أطفأت رغبتي، فالكلمات تعجز عن التعبير عن الجراح وعن الألم الذي يعتصر قلبي.