السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

نداء الآهات

نداء الآهات
على أوتار الوحدة القاتلة جلس مُحمًّلاً بأعباء سنوات مضت أرهقته، بملامح فتات أحلام ظلت معلقة على جدران الزمن.. معاناة الفقد ترتطم بجدران قلب رجل عجوز أصابه الإرهاق، ملَّ الانتظار من عودة ابنه، يعانق ذكرياته الهاربة، بذاكرة شاردة في مساء موشح، يعانق بقية من حنين، بنظرات حائرة بدموع غائرة.

ينظر الأب لصورة معلقة على الجدران لطيور مهاجرة، وحلم ابنه لا يزال ينمو في أحشاء الغربة الواهمة من أجل حياة هانئة، خلف أسوار الحياة أشياء جميلة تتساقط في خريف العمر، تجاورها كآبة تولد من رحم الخوف بأنفاسها السَّامة.

يحاول الأب الخروج من دائرة الحزن.. يرجع بذاكرة الزمن إلى الخلف وهو يداعب ابنه في الصغر وفي ريعان شبابه.. يحاول أن يحضنه فيجده سراباً، يتمتم بصوت مرتعش، وبنهر من الدموع.. لقد اشتاق لرؤيته لكنه ما يزال ينتظر.


يرنُّ الهاتف، يعتذر الابن عن النزول لظروف العمل القهرية، كما اعتاد أن يسمع من، فتنتاب الأب حالة من الاستياء، ويتذكر، لقد فعل الشيء نفسه حين كان في غربته، فمرات عدة اعتذر لأبيه عن النزول في إجازته السنوية، وفي النهاية فقده دون أن يراه.


يترك الهاتف.. يزداد نداء الآهات بداخله، يشعر بقشعريرة في جسده المنهك، ثم يسقط من يده المرتعشة ألبوم الصور.

يخفق قلبه بشدة.. يفقد بداخله كلمات الصبر التي كان يقاوم بها صدأ البعد.. يصرخ وقد أنهكه الوجع فلا يسمعه أحد.. تمرُّ أمامه كل ذكريات العمر بحلوها ومرها، تلفظه المعاناة من رحم الألم.

بعد لحظات حاول أن يكتب بأنامل مرتعشة رسالة أخيرة، لكن الروح خرجت ولم تعد.