الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هروب

هروب
نفسٌ ممزقة تئن من تجاذب الأفكار، وتنافرها بين الوعي واللاوعي في متاهة احتواء الذات والأوراق المبعثرة بأفكار مشتَّتة، وبقايا عمر لوجه مشرق لكن بدموع هاربة، وجواز سفر على مكتب قديم، وجدران غرفة عتيقة مثله، وحقيبة سفر مليئة بكتب التاريخ والفلسفة وعلم النفس وبقايا هموم.

أصبح لا يحتمل الوضع الذي هو فيه من سفسطة جدليَّة مع من حوله، واتهامات وخيانات، وأصبحت حال البلد مخيفة.. ها هو يشعر بالغربة الداخلية في مكانه، حتى أنه بدأ يشك في نفسه من تأثره بمن حوله من تدني الوضع، وكأن كل شيء أصبح مباحاً.

كيف تسير الأمور؟!.. لا يدري، كل شيء يرتد إلى الخلف، لذا رأى من الأفضل أن يسافر إلى مكان آخر يحتضنه، لعله يولد من جديد، لكن كل من حوله يئن لقراره بالرحيل، لأنه جزء من الكل، فقد زرع كل شيء جميل في نفسه وفي من حوله.


نظرات أمه لا يستطيع مواجهتها، غير أن قراره بالرحيل كان حاسماً.. ودعها ودموعها تنهمر كالسيل الجارف.. ركب السيارة، وفي طريقة إلى المطار، دارت أحداث العمر كلها أمامه، وصل إلى صالة المطار، كانت كل الأشياء تداعبه؛ الأماكن، جدران بيته، ذكرياته، أوراقه، كتبه.


عليه أن يلقي نظرة أخيرة لوداع من حوله، ليتجه إلى «صالة» المغادرة.. تحسس جيبه فأصيب بحالة من الهذيان مردداً «جواز السفر..».

بحث عنه في كل مكان بين أغراضه، وجلس برهة من الوقت ليتذكر.. أصيب بحالة هستيرية من الضحك.. تذكر أنه لم يضعه في جيبه، ولا يزال هناك على مكتبه، بين أوراقه المبعثرة وجدران غرفته العتيقة.