الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الليل حدَّثَني

الليل حدَّثَني
ذات مرَّة، حدثني الليل، وروى لي همومه ساخراً، ثم انحنى متعباً من أؤلئك الذين قتلوا الأرق والسهر والانتظار، والانتظار طويل.

لأول مرة رأيت الليل خاسراً، عندما كان يستمع لأصوات السعادة منبثقة من قلب العاشق، وكان يخسر أكثر إذا امتدت سعادته للصباح، وواجهت ضوء النهار.

وحين استأنس بي ناولني رأسه المزدحم بالأزمان، وهو خجول من لونه الوحيد، تساءل:


ــ لماذا سوادي ينجب ضياء في النفوس؟ ولماذا ضوء النهار يسدل ستار الحق عن ألوان الحياة؟


توقف لحظة، وأنا أصغي إليه في صمت، ثم أضاف:

ــ أنا الأسود الذي تُرَى به الحياة والألوان والأحزان، وتنكشف في ظلمته أعماق النفس، وتنطق الأرواح حكمة وفكراً.

ثم تمدَّد الليل ونام في سواده، وسلمني مفاتيح الزمن الذي تبقّى حتى أحرس لونه، وأنظم دفاتره قبل أن يغزوه النهار.

ولأنني أحسب أن الليل محطة استراحة من تعب النهار، يحمل داخله أسراراً وعبارات وكلمات، كلمات حب تعبّر عن المكنون، وذكريات ما تُسجل الأيام، ويكتب التاريخ، لذلك سألته:

ــ هل جوفك عامر بأحاديث وأسرار عشتها عن قرب أو أباحت لك بها الكائنات؟

أجابني قائلاً:

ــ نعم، لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار، عندما يُقبل القمرُ مختالاً مرتدياً عباءته الفضية، تأوي الطيور إلى أعشاشها تحتضن صغارها برفق وحنية، ويزحف الصمت بخطاه الواثقة، ويسود الهدوء الكرة الأرضية، لحظتها تنام أعين البشرِ مطمئنة، وتظل عيوني على النوم عصية.

توقف لحظة، ثم أضاف:

ــ حين تنام عيون البشر أبقى وحيداً وأصرخ بهمس السكون: هل تسمع حديث الليالي؟ هل تسمح لي أن أحدثك كيف يهمس المحب لحبيبه؟ وكيف يناجي العاشق وليفه؟ وأيُّ أغنية يسمع السامع؟ وأيُّ قصيدة يكتب الشاعر؟