الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

على مرفأ الانتظار

على مرفأ الانتظار
بسبب ضغوطات الحياة رَحَل عن وطنه وهو لا يملك إلا حلمه، فهو يريد أن يحافظ على توازنه الروحي واتزانه المادي حتى لا يخسر ثوابت نفسه، فالأزمات والكوارث صارت تهدد شرعية وجوده، حيث كل شيء لا يسير وفق أهوائه ورغباته، ولا يستطيع التأقلم مع المتغيرات دون تغيير مبادئه، وفي النهاية رحل وترك خطيبته تنتظر.

هي كانت ضائعة تكتم أنفاس الحزن في ضجيج الواقع القاسي، إذْ تهيمن عليها فوضى عارمة بعد رحيله.. لقد تشتت حياتها بسبب غيابه الذي طال فكان الانتظار بمثابة طقس مرهق من طقوسها اليومية، وكان عليها التكيف معه واحتمال توابعه.

تكاد تميتها مشاعر القلق والحيرة والترقب والتوقع، إنها مؤشرات لموت بطئ، وكانت تبكي سراً وتضحك علناً، بداخلها حنين يمزقها، وأصوات لا تستطيع تجاهلها، وهي تحلم بالمسافات تتلاشى.


هو أبدع في صنع أعذاره، فقد سكن في عالمه الجديد، وبدأ يعيش وفق معطياته وقواعده.. صار لا يدرك عذاب الانتظار، ولا الأعصاب التي تتمزق من مآسي الحنين والاشتياق، ولم يعد القلب يضج باللهفة كما كان.


انتظرته كثيراً، وفقدت ما لا تستطيع وصفه من جنون الانتظار، فهي لا تستطيع الذهاب إليه، ولا الرجوع إلى نفسها، حتى أدركت أنها تنتظر ـ دون أمل ـ أحداً لن يأتي، غائباً لن يعود، حتى فقدت القدرة على الاحتمال والمتابعة، وصار الخذلان صفعة لها، وغزت هرمونات التوتر جسدها، فقد كانت تختبئ خلف صهيل الليل كل يوم لحين إشعار آخر، حتى شكلت من خيوط عمرها رداء صبرها، وزيَّنتْه بحلم شارد، لكنها في النهاية غادرت مرفأ الانتظار بلا رجعة ورحلت.